خطاب
لنائب الأمين العام لحلف الناتو، أليساندرو مينوتو ريزو، في الندوة الحوارية التي عُقدت في مقرّ الوكالة الكويتية للأنباء
- Arabic
- English
سعادة الشّيخ ثامر،
أيها السيدات والسادة،
إسمحوا لي أولاً بالتعبير عن بالغ سروري لتواجدي اليوم، هنا، في مدينة الكويت ولمنحي فرصة المشاركة في حدث عامّ إلى جانب اجتماعاتي الرسمية. كما أودّ التوجه بأسمى عبارات التقدير إلى الحكومة الكويتية وإلى شخصكم الكريم يا سمو الشّيخ ثامر، على قيادتكم لعملية استكشاف سبل تعزيز العلاقات بين الكويت وحلف الناتو. وأتوجه بالشكر الجزيل إليكم جميعاً على حضور هذا الإجتماع رغم اكتظاظ جداول اعمالكم.
خلال السنوات القليلة الماضية، ساهمتُ كنائب للأمين العام لحلف الناتو على تطوير الحوار والتعاون بين الحلف والعديد من دول منطقتيّ حوض المتوسط والخليج العربي. وأعتبر هذه الندو الحوارية فرصة مثلى لمناقشة أسباب بذل هذه الجهود والآفاق التعاونية الواسعة، التي يفتحها الحلف أمام شركائه، بما فيهم دولة الكويت.
فمنذ البداية، أدرك حلف الناتو أهمية التعاون. إذ تأسس هذا الحلف قبل ثمانية وخمسين عاماً لتوحيد دول أمريكا الشمالية وأوروبا في إطار الالتزام المشترك بحماية أراضيها وحريتها، من التهديد الذي مثله الاتحاد السوفياتي، حينذاك. وعلى مدى أربعة عقود ونيّف، استطاع الحلف تحقيق هذا الهدف بواسطة الردع فقط – أي من خلال استعراض القوة العسكرية، وليس من خلال استخدامها في أي مواجهة مسلّحة.
وبفضل قدراتنا العسكرية الرادعة، إنتهت الحرب الباردة منذ مدّة طويلة وانتهى أيضاً حلف الناتو القديم الذي خاض تلك الحرب. لكنْ في الوقت ذاته، بدأ يتبلور ناتو القرن الحادي والعشرين الذي اتخذ طابعاً جديداً.
مع ذلك، تبقّى من حلف الناتو القديم سمتان فقط لأنهما تمنحان الحلف القوّة والتماسك والقدرة على التكيّف مع الظروف المتغيّرة والتعامل معها. أما السمة الأولى، فهي حقيقة أنّ حلف الناتو ما زال يضمّ أمريكا الشمالية وأوروبا – وهما قارّتان لا تتمتّعان بمستوى فريد من التعاون البيني وحسب، بل لديهما أيضاً شعور قوي بالمسؤولية تُجاه المساهمة في الحفاظ على الإستقرار العالمي. وتتمثّل السمة الثانية بأنّ حلف الناتو ما زال يمتلك آلية فعّالة للمشاورات السياسية وبنية عسكرية متعدّدة الأطراف لتطبيق القرارات التي يتّخذها أعضاؤه.
وتتمثل السمة الأولى والأهم لحلف الناتو الجديد بمقاربته للأمن. فمع أن الدفاع الجماعي ما زال الغرض الرئيسي للحلف، إلا أننا ندرك انتفاء الحاجة إلى حماية أوروبا الغربية من تهديد احتلالها من قِبل المعسكر الشرقي البائد. في المقابل، يتعيّن علينا أنْ نتعامل مع نوع جديد من الإرهاب الذي لا يعرف الرحمة ومع خطر وقوع أخطر الأسلحة في أيدي أقلّ الأفراد شعوراً بالمسؤولية؛ فضلاً عن التعامل مع الدول الفاشلة التي تهدّد الإستقرار داخل وخارج مناطقها. وفي المرحلة الراهنة، يركّز التعاون الأمني داخل حلف الناتو ومعه على معالجة هذه الأخطار والتهديدات الجديدة.
لذا، نرى اليوم أنّ الحلف ينشر أكثر من خمسين ألف جندي في ثلاث قارات لتنفيذ مهمات وعمليات ضرورية بتفويض من الأمم المتحدة. ولا يخفى عليكم أن حلف الناتو يعمل حالياً في أفغانستان حيث يقود القوة الدولية للمساعدة الأمنية (الأيساف)، التي تضطلع بعملية مركّبة هناك تشتمل على مهام حفظ السلام وتنفيذ عمليات قتالية.
وإلى جانب دورنا في أفغانستان، نقوم أيضاً بمهمة حفظ السلام في إقليم كوسوفو، بينما تتواصل المحادثات لتحديد الوضع المستقبلي لهذا الإقليم. كما أننا نساهم في عملية الإصلاح الدفاعي في البوسنة والهرسك. علاوة على ذلك، تقوم سفن حلف الناتو بدوريّات في البحر الأبيض المتوسط في إطار مهمّة مكافحة الإرهاب. ونقلنا أيضاً قوّات الإتحاد الإفريقي جواً إلى إقليم دارفور السوداني المتأزم كما أعربنا عن استعدادنا لتقديم مساعدة مماثلة من أجل الصومال. ليس هذا وحسب، بل إننا ندرّب أيضاً قوّات الأمن العراقية داخل وخارج العراق. وفي عام 2005، أطلقنا واحدة من أضخم عمليات الإغاثة الإنسانية في التاريخ إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب باكستان.
هنا، أنتقل مباشرة إلى السمة الرئيسية الثانية لناتو القرن الحادي والعشرين التي أودّ إلقاء الضوء عليها – وهي تعزيز علاقتنا مع المؤسسات الأخرى. وتتجلى هذه السمة بأوضح صورها في حالة أفغانستان. إذ يُدرك الجميع تماماً أنّ النجاح في أفغانستان لا يعتمد على حلف الناتو وحده. فأفغانستان المستقرة والقادرة على الوقوف على قدميْها تحتاج إلى الأمن والتنمية. ولا بدّ من إنجاز هاتيْن العمليتيْن - توفير الأمن وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية – بصورة متوازية.
لذا، لا يعمل حلف الناتو بمفرده لا في أفغانستان ولا في الدول الأخرى. فنحن نعمل في إطار شراكة وثيقة مع الدول المعنية. وهناك تعاون متزايد بين حلف الناتو وأطراف دولية أخرى تمتاز بقدرات فريدة في مجاليّ التنمية وإعادة الإعمار - مثل الأمم المتّحدة والإتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى والبنك الدولي - بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية؛ ذلك لأننا جميعاً ندرك أنّ هذه المقاربة الشاملة هي السبيل الوحيد لتحقيق الإستقرار المستدام وحماية أمننا في عالمنا المعولم.
وتتمثل السمة المهمة الثالثة لحلف الناتو الجديد بالشراكة. وكما أشرتُ للتّو، فإنّ ضمان الأمن في المرحلة الراهنة مهمّة معقّدة تتطلّب مستوى نوعياً جديداً من التعاون الدولي. لذا، لا يهتم حلف الناتو بتعزيز تعاونه مع المؤسسات الدولية الأخرى وحسب، بل يهتم أيضاً بتعزيز تعاونه الثنائي مع كل دولة تشعر بأنها ليست محصّنة من الأخطار والتهديدات العالمية الناشئة، وتهتمّ بالتعاون المتبادل معنا لمعالجة هذه التحديات المشتركة.
وهناك العديد من هذه الدول. فاليوم، أصبح حلف الناتو في صُلب شبكة عريضة من الشراكات الأمنية التي تمتدّ بعيداً إلى ما وراء حدود أوروبا الأطلسية. وقد وضع العديد من شركائنا قوات وطنية تحت إمرة الحلف – لكي تعمل إلى جانب جنود الحلف في بعض المهمات الملحّة.
وفي عالمنا الذي يزداد عولمةً، أصبح أمن دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة الخليج مهماً بالنسبة لحلف الناتو – كما أصبح هذا الحلف مهماً لأمنكم. فنحن جميعاً نواجه نفس التهديدات - التي لن نتمكن من معالجتها إلا من خلال التعاون. إذ لدينا مصلحة مشتركة في ضمان مستقبل العراق وأفغانستان وفي توفير بيئة دولية مستقرّة، بوجه عام. ولدينا أيضاً مصلحة مشتركة في ضمان أمن الطاقة، سواء كنّا من الدول المصدّرة أو المستوردة لموارد الطاقة. وبعدما اتسع نطاق عمليات حلف الناتو حتى وصل إلى جواركم، بات من المنطقي أن نعزّز حوارنا وتعاوننا.
لقد تعزّزت مشاوراتنا السياسية بثبات وتلقّت دفعة قوية بفضل المؤتمر الناجح الذي استضافته مدينة الكويت في ديسمبر الماضي، والذي شارك فيه جميع أعضاء مجلس شمالي الأطلسي – وهو الهيئة السياسية العليا لحلف الناتو. كما أنّ المحادثات التي أجريْتها صباح هذا اليوم مع مختلف المسؤولين الكويتيين برهنت مجدّداً على جديتهم، في مواصلة تطوير العلاقات بين الكويت وحلف الناتو.
في الوقت ذاته، تعزّز تعاوننا العملي أيضاً. فقد سُجّلت أعداد متزايدة من الكويتيين الذين شاركوا في الدورات التدريبية والتعليمية والحلقات الدراسية التي نظمها حلف الناتو. وفي وقت سابق من العام الجاري، قامت فرق عدّة من خبراء حلف الناتو بزيارات ناجحة جداً إلى الكويت. كما عيّنت الكويت ضابط اتّصال مع حلف الناتو، الأمر الذي سيسهّل تعاوننا بشكل كبير. ولا يسعنا إلا أنْ نعرب عن سرورنا بقرار الكويت – كأول دولة في مبادرة اسطنبول للتعاون - التوقيع على اتفاقية الترانزيت مع حلف الناتو لدعم انتشار قوّاته في إطار المهمات القائمة والمستقبلية.
وهناك مجال واعد للغاية لتعزيز تعاوننا وهو مجال التدريب والتعليم. فقد أطلقت قمّة حلف الناتو التي عُقدت في ريغا أواخر العام الماضي ما يُعرف باسم "مبادرة حلف الناتو للتعاون في مجال التدريب". ويتمثل الهدف الرئيسي لهذه المبادرة بالسماح لشركائنا المعنيين في الحوار المتوسطي ومبادرة اسطنبول للتعاون بتقاسم خبرات الحلف الفريدة في مجال تدريب القوات العسكرية - لمساعدتهم في بناء قوات قادرة على تبادل المهمات مع قوات الحلف وعلى العمل معها بفاعلية، من أجل معالجة التحديات المشتركة.
وفي وقت سابق من العام الجاري، عقد خبراء حلف الناتو محادثات بنّاءة في الكويت وفي باقي دول مبادرة اسطنبول للتعاون لاستكشاف آفاق تعزيز التعاون في هذا المجال، الأمر الذي أدّى إلى تكثيف أنشطة تدريب وتعليم قوات دول مبادرة اسطنبول للتعاون. وأحرزنا أيضاً تقدّماً ملموساً نحو تأسيس كليّة لتدريب وتعليم هذه القوات داخل حرم الكلية العسكرية لحلف الناتو في روما، ونحو إنشاء شبكة من مؤسسات التدريب والتعليم. وهذا مجال آخر أتمنّى وأتوقّع أنْ تواصل الكويت مساهمتها في تطويره.
صاحب السعادة،
أيها السيدات والسادة،
في الماضي القريب، كانت التطوّرات التي تحدث بعيداً عنّا لا تثير قلقنا. أما اليوم، فقد ألغت العولمة بصورة نهائية مفهوم تحقيق الأمن في أي فضاء جغرافي بعينه، لأنّ أمن جميع دولنا أصبح يتأثر بصورة متزايدة بالأحداث التي تجري في أي مكان في هذا العالم.
فكيف نتعامل مع هذا الواقع؟ هناك طريقة وحيدة فقط: إنها التفكير بطريقة مختلفة وتنظيم أنفسنا بصورة مختلفة عن الماضي. إنها القوْل وداعاً للمفاهيم الأمنية البالية. إنها في المقام الأول، تبنّي رؤية أمنية تتجاوز الحدود الدينية أو الثقافية أو الجغرافية – وتقضي باستكشاف مقاربات جديدة ومشتركة للتعاون الأمني.
ويُمثل هذا النوع من الإنفتاح والمشاركة الفاعلة جوهر حلف الناتو الجديد: ناتو القرن الحادي والعشرين. ويسرّنا أنّ الكويت تبنّت توجهاً مماثلاً إزاء تعزيز الحوار والتعاون، بما في ذلك مع حلف الناتو.
إن أمن الكويت ومنطقة الخليج عموماً مهمّ لحلف الناتو. كما أنّ مصالحنا المشتركة واضحة للجميع وكذلك هي المنافع المتبادلة لتعزيز تعاوننا.
شكراً لكم على حسن الإصغاء.