“الناتو في عصر الأمن العالمي الجديد”
كلمة ألكسندر فيرشبو نائب الأمين العام لحلف الناتو في مؤتمر الدبلوماسية العامة لحلف الناتو والأردن في عمان، الأردن
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل،
أصحاب الفخامة،
السيدات والسادة،
شكرًا لكم على هذه المقدمة الطيبة. واسمحوا لي بتقديم خالص كلمات الشكر والثناء أيضًا إلى وزارة الشئون الخارجية الأردنية والمعهد الدبلوماسي والقوات المسلحة الأردنية على تنظيم هذا المؤتمر بدعم من حلف الناتو.
رسالتي الأساسية إليكم اليوم هي التأكيد على ضرورة وجود التزام دولي أكبر بالتصدي للتحديات الأمنية المعقدة التي تواجهها دولنا بأكملها. فأنا أرغب في مناقشة الأسباب التي تجعل من حلف الناتو ودولة الأردن شريكين بديهيين في تعزيز هذا النوع من الالتزام الدولي وسبل تعميق الشراكة الوثيقة الحالية القائمة بيننا.
على مدار العقود القليلة الماضية، تواءم الناتو مع التحديات الأمنية العالمية الجديدة للقرن الحادي والعشرين المتمثلة في الإرهاب وسقوط الدول وانتشار الأسلحة والجريمة الإلكترونية. وتحول الحلف إلى أداة أمنية فائقة المرونة، أداة في خدمة دولنا الأعضاء البالغ عددها 28 دولة، وكذلك، وبشكلٍ متزايد، في خدمة المجتمع الدولي على نطاق أوسع.
في هذا الوقت من العام الماضي، قاد حلف الناتو عملية جوية وبحرية معقدة ومتعددة الجنسيات لحماية الشعب الليبي من الهجمات الوحشية لرئيسه. لقد قمنا بالعملية بناءً على اتصال من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وتم اتخاذ قرار من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن كان لدينا أيضًا دعم سياسي وعسكري كبير من جانب العديد من الدول الشريكة لنا، لا سيما هنا في هذه المنطقة. وقد كان هذا الدعم -بما في ذلك الدعم الذي قدمه الأردن- إحدى آليات نجاحنا.
أظهرت الأحداث التي وقعت في ليبيا العام الماضي مدى ارتباط أمن الدول الواقعة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بأمن حلف الناتو في الوقت الراهن. كما أبرزت أيضًا حجم الإنجازات التي يمكننا تحقيقها معًا إذا كان لدينا العزم والمثابرة على القيام بما هو صواب.
بالنسبة لحلف الناتو، كان هناك ترحيب كبير بدور الأردن الفعال في عمليتنا في ليبيا، لكن هذا الدور لم يكن مفاجأة لنا على الإطلاق. فلسنوات عديدة، أظهرت دولتكم التزامًا قويًا بتحقيق السلام والاستقرار في هذه المنطقة وما حولها وفهمًا عميقًا لمزايا تحقيق الأمن من خلال التعاون مع دول ومنظمات أخرى.
ونحن في حلف الناتو قد شهدنا هذا الالتزام القوي من جانب الأردن للمرة الأولى في فترة التسعينيات، عندما شاركت دولتكم في جهودنا لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة البلقان. ولكن بالطبع بدأ الأردن يلعب منذ فترة قصيرة دوراً رئيسياً في مهمتنا المفوضة من الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان ولضمان أن هذا البلد لن يصبح مطلقًا ملاذًا آمنًا مرة أخرى للإرهابيين الذين يهددون دولنا.
لقد ناقشنا قضية أفغانستان مع الأردن وشركائنا الآخرين في هذه المهمة في إطار قمة الناتو التي عُقدت الشهر الماضي في شيكاغو. فقد ناقشنا الانتقال الناجح لمسئولياتنا الأمنية والهدف الخاص بتسليم مقاليد السلطة على مستوى البلاد للقوات الأفغانية بنهاية عام 2014. لكننا أوضحنا كذلك أننا سنواصل دعمنا لأفغانستان بعد هذا التاريخ، من خلال مهمة جديدة تركز على تدريب قوات الأمن الوطني الأفغانية ومساعدتها. ومن خلال الوعي الثقافي الخاص للأردن وخبرته، فإن مشاركته ستكون عنصرًا أساسيًا في هذه الجهود المستمرة.
في جزر البلقان وأفغانستان ثم في ليبيا في العام الماضي، عملت قواتنا العسكرية معًا بشكلٍ فعالٍ للغاية. وقد أكد صاحب الجلالة الملك عبد الله بنفسه مرارًا على أهمية تعزيز التشغيل المتبادل لقواتنا بصورة أكبر، من أجل تحسين قدرتنا على العمل. كما أنه لدينا في الناتو رؤية أشمل للتشغيل المتبادل والتعاون العسكري المتبادل، بوصفهما عناصر أساسية من عناصر شراكتنا مع الأردن.
تم وضع أسس هذه الشراكة في عملية الحوار المتوسطي التي أطلقها الناتو منذ 20 عامًا مضت تقريبًا. وأصبح الأردن مشاركًا نشطًا في الحوار المتوسطي منذ بدايته تقريبًا. فقد أدركت دولتكم بوضوح مزايا التعاون مع كيان سياسي عسكري راسخ يربط بين أمريكا الشمالية وأوروبا. علاوة على ذلك، فقد استفاد الأردن بصورة ممتازة من فرص الحوار والتعاون العديدة التي توفرت خلال عملية الحوار المتوسطي.
واليوم، يعمل الأردن والناتو جنبًا إلى جنب في إطار برنامج تعاون فردي طموح. ويتضمن هذا البرنامج مجموعة واسعة من مجالات الاستشارات السياسية والتعاون العملي، بدءًا من أمن الحدود ومرورًا بالتخطيط في حالات الطوارئ المدنية ووصولاً إلى التعليم والتدريب العسكري والدبلوماسية العامة ومحاربة الإرهاب. ونحن نقدر تمامًا حرص وجدية السلطات الأردنية في تنفيذ برنامج الشراكة الشامل هذا مع الناتو.
إننا نرحب بافتتاح مركز التدريب على عمليات حفظ السلام التابع للقوات المسلحة الأردنية ومعهد اللغات الأردني في العام الماضي ليكونا جزءًا من شبكة الناتو لمراكز التدريب والتعليم. وإذا أصبح الأردن -كما نتوقع- أول شريك من شركاء الحوار المتوسطي الستة يشارك في عملية التخطيط والمتابعة الخاصة بالحلف، فسنتمكن بشكلٍ أفضل من تعيين القوات وإعدادها للتدريب والمناورات والعمليات متعددة الجنسيات.
في الوقت نفسه، فقد تعزز الحوار السياسي بين الناتو والأردن أيضًا. وعقدت المشاورات بشكل متكرر على مستويات مختلفة حول مجموعة كبيرة من القضايا. كما أبدى جلالة الملك عبد الله الثاني اهتمامًا شخصيًا قويًا بشراكتنا والتقى مرات عديدة مع الأمين العام ومجلس الناتو.
هناك العديد من القضايا السياسية والعسكرية مدرجة ببرنامج شراكتنا. ولكنه يشمل أيضًا التعاون في مجالات عديدة ربما تكون أقل وضوحًا. فقد قمنا، على سبيل المثال، بإنشاء صناديق ائتمان عديدة للمساعدة في تدمير الذخيرة والصواريخ غير المتفجرة. ويتسم هذا النوع من التعاون العملي بفوائد فورية وملموسة لشعب الأردن، كما أنه عنصر حاسم يبرز قيمة شراكتنا للدول الأخرى.
يعد اجتماعنا اليوم حدثًا دبلوماسيًا عامًا مشتركًا، وليس مصادفة. على المستوى السياسي وفي إطار قواتنا العسكرية، قد يكون هناك اتفاق كبير على ضرورة التعاون بين الناتو والأردن. ولكن لا تزال هناك مفاهيم مغلوطة منتشرة بين شعوبنا وفي جميع دولنا حول المخاطر والتهديدات الأمنية الجديدة وحول الضرورة الملحة لوجود تعاون دولي أكثر قربًا.
في حلف الناتو، نكرس وقتًا طويلاً لتبديد هذه المفاهيم المغلوطة وتوضيح أهمية الأمن التعاوني. ولكن هناك دور واضح تضطلع به الدول الشريكة لنا كذلك، يتمثل في توضيح مزايا الشراكة مع الناتو. بالطبع، يشكل تكوين دعم عام لتحقيق تعاون أكثر قربًا مع الحلف تحديًا أساسيًا لصانعي السياسة. ولكنه تحدٍّ يمكن لجميع الحاضرين هنا اليوم من الدبلوماسيين والأكاديميين والصحفيين والطلاب المساعدة في تحقيقه. وأتمنى أن يقوم كل منكم بدوره في هذا المسعى.
إن الأردن دولة ذات تأثير قوي تعمل على الحفاظ على الاستقرار في الأجواء المحيطة الصعبة. فقد لعب الأردن دورًا بناءً في تشجيع الحوار السياسي وإيجاد حلول سلمية للتحديات الصعبة التي تواجه هذه المنطقة، ومن بينها عملية السلام في الشرق الأوسط. وسوف يستمر حلفاء الناتو في تقديم الدعم الكامل لبلادكم مع مواصلتها هذا الالتزام القوي من جانبها.
في الوقت الذي يمر فيه العالم العربي بتغييرات غير مسبوقة، فإن الناتو ملتزم بتعزيز علاقات الشراكة وتنميتها مع الدول التي نواجه معها تحديات أمنية مشتركة وتسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها الخاصة بالسلام والأمن والاستقرار. حيث يدعم الناتو تطلعات شعوب المنطقة لتحقيق الديمقراطية والحرية الشخصية وسيادة القانون، وهي القيم التي تميز الحلف على مدار ستة عقود.
ولكن التغييرات غير المسبوقة لا تقتصر على العالم العربي. فقد أحدثت العولمة تغييرًا كبيرًا في العالم بأسره. إذ أسهمت في زيادة نسبة الرخاء. كما أنها ساعدت على زيادة حرية انتقال البضائع والأشخاص والأفكار. لكنها أدت من جانب آخر إلى زيادة نقاط ضعفنا. إذ قد يكون للأحداث التي تقع في دولة أو منطقة معينة اليوم تداعيات وخيمة في جميع أنحاء العالم. وأصبحت التحديات الأمنية الراهنة تشكل تحديات عالمية. وتتطلب حلولاً عالمية.
فالمخاطر والتهديدات مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة والقرصنة والجريمة الإلكترونية لا تعرف أي حدود، وتميل كذلك إلى دعم بعضها البعض. وستتطلب مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها مستوى جديدًا من المشاورات والتعاون الدولي.
وانطلاقًا من ذلك، يسعى الناتو إلى تعميق شراكاته وتوسيع نطاقها عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ومنطقة الخليج. ولكننا مصممون في الوقت نفسه على إقامة روابط أكثر قربًا مع الدول والمنظمات المعنية الأخرى، بغض النظر عن موقعها على الخريطة.
على مدار أكثر من 60 عامًا، أصبح الناتو القاعدة الذهبية العالمية في مجال التعاون الأمني. ونحن نرغب في تدعيم هذا الدور بصورة أكبر. فنحن نريد مشاركة خبرتنا الهائلة مع شركائنا بشكلٍ أفضل وتحسين مستويات التدريب والممارسة مع شركائنا والاستفادة من خبراتهم كذلك، بهدف تعزيز قدرتنا المشتركة على التعامل مع التحديات الأمنية للقرن الحادي والعشرين. ولدي كل الثقة في أن الأردن سيكون جزءًا من هذا المسعى.
السيدات والسادة،
لقد حضرت إلى هنا من أجل تقديم الشكر للأردن على التزامه القوي بتوفير الاستقرار والأمن خارج حدوده، بما في ذلك التعاون مع الناتو. كما أن الهدف من زيارتي هو التأكيد على إمكانية تعميق شراكة الأردن مع الناتو على نطاق واسع وكبير.
لقد أدرك الأردن، شأن الدول الأعضاء في حلف الناتو البالغ عددها 28 دولة، أن السبيل الوحيد لتحقيق المزيد من الأمن في هذا القرن الجديد هو من خلال المزيد من المشاركة عابرة الحدود والثقافات والديانات. وأعتقد أن هذا المفهوم يبشر بمستقبل جيد تمامًا لشراكتنا.
شكرًا لكم.