خطاب الأمين العام

العام في مؤتمر السفراء الذي عُقد حول تعزيز شراكة مبادرة اسطنبول للتعاون، والذي شارك في تنظيمه كلُّ من دولة قطر وقسم الدبلوماسية العامّة لحلف الناتو. وعُقد هذا المؤتمر في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون في 15 فبراير 2011، في الدوحة - قطر

  • 15 Feb. 2011
  • |
  • آخر تحديث 25-Oct-2011 17:41

ICI Ambassadorial Conference: Deepening NATO-ICI Partnership. Remarks by NATO Deputy Secretary General Claudio Bisogniero.

السّيد رئيس الوزراء،
أصحاب السعادة،
أيها السيدات والسادة،

إسمحوا لي، يا دولة رئيس الوزراء، أنْ أبدأ بالإعراب عن خالص شكري لكم ولدولة قطر على كرم ضيافتكم لي ولأعضاء مجلس شمالي الأطلسي وممثلي حلف الناتو الآخرين، الذين يشاركون معي اليوم في هذا الحدث المهم.

كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى ممثلي شركائنا الآخرين في مبادرة اسطنبول للتعاون، البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، وإلى دولتيّ عُمان والمملكة العربية السعودية على حضور هذا المؤتمر.

إننا نعقد هذا المؤتمر في مرحلة من الأحداث الدراماتيكية في مصر وتونس وسواهما من دول العالم العربي. وقد تسارعت هذه الأحداث بوتيرة لم يتوقعها إلا القليل منّا. لذا، فإنني أتفهّم خشية الكثيرين من عدم الإستقرار في المنطقة. لكنّني أتفهم أيضاً الرغبة الشديدة لمجتمعات العالم العربي في الإصلاح الحقيقي. وقد حرصت على حث جميع الأطراف المعنية على الدخول في حوار منفتح وضمان الإنتقال السلمي إلى الديمقراطية، التي تعني أكثر بكثير من مُجرّد حكم الأغلبية؛ فهي تعني أيضاً احترام الأقلّيات وحرية التعبير وحقوق الإنسان وحكم القانون.

وبصفتي الأمين العام لحلف يضمّ دولاً ديمقراطية، أؤمن بأنّ الديمقراطية هي الأساس الحقيقي للإستقرار المستدام الذي يخدم مصالح جميع دولنا. كما أنّ أهمية أمن منطقة الشرق الأوسط الكبير تتجاوز حدود هذه المنطقة. فأمنكم وأمن دول حلف الناتو مترابطان.

ونلتقي معكم اليوم إنطلاقاً من قناعتنا بأنه قد آن الأوان لإعطاء دفعة جديدة لعلاقات حلف الناتو مع شركائه الأربعة في مبادرة اسطنبول للتعاون. وفي هذه المناسبة، أودّ التأكيد أيضاً على اهتمامنا الكبير بتعزيز حوارنا مع دولتيّ عُمان والمملكة العربية السعودية. كما أننا سنرحب بانضمامها إلى مبادرة اسطنبول للتعاون.

ولن نبدأ من الصفر. فمنذ إطلاق مبادرة اسطنبول للتعاون في عام 2004، تزايدت فرص الحوار السياسي والتعاون العملي في المجال الأمني على المستوييْن الثنائي والمتعدد الأطراف.

لكنْ لِنَـكُن صادقين مع أنفسنا. ففي الواقع، ثبت أنّ تحقيق تقدم ملموس في شركتنا ظلّ صعباً خلال السنوات الأخيرة بالرغم من بدايتها الواعدة. لذا، لم نأتِ إلى هنا لكي نطرح أفكارنا وتصوراتنا فقط، بل جئنا أيضاً لكي نستمع إليكم – وذلك بهدف معرفة هواجسكم والاطلاع على أفكاركم بشأن سُبل تعزيز شراكتنا.

لقد أصبح عالمنا كقرية صغيرة. فقد نجح التقدم التكنولوجي في تقليص المسافات الجغرافية. كما أنّ الاعتماد المتبادل بين مجتمعاتنا واقتصاداتنا في ازدياد مضطّرد. لكنْ في الوقت ذاته، نواجه اليوم العديد من التهديدات المشتركة - الإرهاب والقرصنة والحرب الإلكترونية وانتشار أسلحة الدمار الشامل، واحتمال تعطيل إمدادات الطاقة وسواها من الموارد الحيوية التي تعتمد عليها دولنا.

وفي الحقيقة، لا تستطيع أيّ دولة أو أيّ منظمة أن تواجه هذه التحديات المعقّدة بمفردها. ولأنّ هذه التحديات متعددة الأبعاد، يتعيّن على مقاربتها أن تكون متعدّدة الأبعاد أيضاً.
وتعدُّ تجربتنا في أفغانستان دليلاً قوياً على صوابية هذا الطرح. فبناءً على تفويض من الأمم المتحدة، تساعد القوة الدولية للمساعدة الأمنية التي يقودها حلف الناتو، تساعد الأفغان حالياً في تولي المسؤولية الأمنية في مديرية (محافظة) تلو الأخرى وفي إقليم تلو الآخر. والهدف المعلن للأفعان هو تولّي كامل المسؤولية الأمنية في جميع أنحاء البلاد مع نهاية عام 2014. ونحن نشاركهم هذا الهدف الذي ندعمه. وسوف نساعدهم في تحقيقه.

لكنْ لا يوجد حلّ عسكري بحت لمشكلة الإستقرار في أفغانستان. وسوف تحتاج أفغانستان إلى استمرار المجتمع الدولي في مساعدتها على مدى سنوات عديدة بعد عام 2014 – وذلك لتوطيد الأمن وضخّ الإستثمارات وتحقيق التنمية والمصالحة الوطنية هناك. وآمل أنْ تساهم دول الخليج في هذه الجهود. فمن مصلحتنا جميعاً أنْ تتمكن الجمهورية الإسلامية الأفغانية من الوقوف على قدميْها والنهوض بكامل مسؤولياتها الأمنية، وتوفير الغذاء والتعليم لمواطنيها وامتلاك القدرة على مكافحة الإرهاب الداخلي.

وتعكس هذه المقاربة المتعددة الأبعاد منظوراً أمنياً جديداً - ليس فقط على صعيد ما نريد تحقيقه، بل أيضاً على صعيد كيفية تحقيق ما نريد. ويعني هذا المنظور أننا نحتاج إلى منهج جديد للعلاقات داخل حلف الناتو نفسه – وبين الحلف وشركائه أيضاً.

لذا، أطلقنا عملية تحويل حلف الناتو التي أفضت إلى المفهوم الإستراتيجي الجديد الذي أُقرّ في قمّة لشبونة، التي عُقدت في نوفمبر الماضي. ويعكس هذا المفهوم الاستراتيجي الجديد تحوّلاً جوهرياً في نظرة حلف الناتو إلى العالم- وفي طريقة تفاعلنا معه. إذ تشدّد استراتيجيتنا الجديدة على أهمية الأخطار والتهديدات الناشئة، مثل انتشار أسلحة الدمار الشامل والحرب الإلكترونية وتهديد أمن الطاقة والإرهاب، وتنصّ على أنّ معالجتها هي إحدى المهمات الرئيسية الجديدة للحلف. وتؤكّد استراتيجيتنا الجديدة أيضاً على حاجة حلف الناتو إلى تعزيز تعاونه مع الدول والمنظمات الأخرى.

إذاً، ما الذي نستطيع تقديمه بالضبط؟

أولاً: سوف نُتيح لشركائنا مزيداً من فرص التشاوُر المباشر معنا حول القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، الأمر الذي سيسمح لنا جميعاً بالتوصل إلى فهم أفضل للأحداث وسيُعزز قدرتنا على استشراف المستقبل - وبالنتيجة، ستزداد قدرتنا على منع وإدارة الأزمات. وأعتقد أنّ هذا الأمر سيحظى باهتمام كبير من جانب شركائنا في منطقة الخليج.

ثانياً: سنسمح لجميع شركائنا بالمشاركة في أي نشاط تعاوني من أنشطة الحلف، بلا استثناء. بالتالي، سيكون بإمكانكم اختيار جميع الأنشطة التي تناسبكم، بما فيها الأنشطة التي أعلم أنكم تعتبرونها مهمة، كالتعاون العسكري الثنائي وتبادل المعلومات الإستخباراتية وإصلاح القطاعات الأمنية.

هنا، أودّ الإشارة، تحديداً، إلى مجاليْن آخريْن محتمليْن لتعزيز التعاون فيهما وأعتقد أنّ حلف الناتو سيسعى، على الأرجح، إلى استكشافهما مع شركائه في مبادرة اسطنبول للتعاون.

أولاً: أمن الطاقة. إذ تعتمد الدول كافّة على أمن البنى التحتية لهذه الموارد الحيوية لضمان أمنها في مجال الطاقة. ومنطقة الخليج، كما تعلمون، هي مصدَر 50% من إمدادات الطاقة العالمية. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي 60% من احتياطيات النفط العالمية و40% من احتياطيات الغاز العالمية. لذا، فإنّ أمن الطاقة حيويٌّ بالنسبة لكم ولنا، على حدٍّ سواء.

وتتمثل الخطوة الأولى التي يمكننا اتخاذها في هذا المضمار بإجراء مشاورات حول أمن الطاقة، بغرض تبادل وجهات النظر ببساطة.

أما الخطوة التالية، فهي الاتفاق على مبادرات ملموسة نستطيع أنْ نطوّرها معاً. هنا، لا بد من التأكيد على أنّ الشراكة عملية متبادلة؛ وهذا ما ينبطق بالضرورة على التعاون في مجال أمن الطاقة. ونحن مستعدّون لتقاسم ما نعرف ومتحمّسون لتعلُّم ما لا نعرف. وفي هذا السياق، يبدو أنّ التدريب والتعليم في مجال أمن الطاقة سيكون نشاطاً تعاونياً واعداً جدّاً.

أما المجال الآخر الذي يُمكن استكشافه مع شركائنا الخليجيين، فهو النقل الآمن لإمدادات النفط، خصوصاً عن طريق البحر. ويركّز حلف الناتو بصورة متزايدة على أمن الملاحة البحرية ولديه تجربة غنية في هذا المجال. وتعكس الهجمات التي نفّذها القراصنة مؤخراً على ناقلات للنفط في هذه المنطقة وجود تهديد حقيقي لعملية نقل إمدادات الطاقة، عن طريق البحر. لذا، نستطيع استكشاف آفاق التعاون في حماية إمدادات الطاقة الحيوية عبر حماية الممرات البحرية التجارية.

ونحن مستعدون أيضاً لمناقشة قضية انتشار الصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل مع شركائنا في مبادرة اسطنبول للتعاون. فهذا تهديد لنا جميعاً – أيْ دول الحلف ودول الخليج. لذا، ينبغي علينا أنْ نناقشه معاً.

هذه بضعة أفكار فقط لإعادة تنشيط شراكتنا. ومع أنّي أعرف العديد من الفرص الحقيقية الأخرى لتعزيز حوارنا السياسي وتعاوننا العملي، إلا أنني أعترف أيضاً بوجود تحديات كبيرة.

فعدم حلّ النزاع الإسرائيلي - الفلسطينيّ يواصل تقويض الإستقرار الإقليمي.

ومع أنّ حلف الناتو لم يشارك قط في عملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يسعى إلى المشاركة في هذه العملية. كما أنّ الشروط الثلاثة لأيّ تدخّل أطلسي محتمل في هذه العملية باتت معروفة جيّداً: إذا توصّلت إسرائيل والفلسطينيون إلى اتّفاقية للسلام الشامل، وإذا طلب كلا الطرفين من حلف الناتو أن يساعدهما في تنفيذ تلك الإتفاقية، وإذا وافقت الأمم المتحدة على مثل هذا الدور المحتمل لحلف الناتو.

وبالطبع، لا يتوافر أيٌّ من هذه الشروط الثلاثة في الوقت الراهن. ويتحمّل الطرفان المعنيان المسؤولية الرئيسية لإنجاح عملية السلام في الشرق الأوسط، إلى جانب الرباعية الدولية والأمم المتحدة. لكنّ دول الناتو تعلّق أهمية خاصة على التوصل إلى حلّ عادل ودائم وشامل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وللمساريْن اللبناني والسوري، وذلك لتطبيق حلّ الدولتيْن الإسرائيلية والفلسطينية اللتيْن تعيشان جنباً إلى جنب بأمن وسلام.

وكما أوضحت الرباعية مؤخراً، فإنّ أي تأخير إضافي في إستئناف المفاوضات سيقلّص فرص الأمن والسلام في المنطقة. لذا، لا بد من استئناف هذه المفاوضات بأسرع ما يمكن.

أصحاب السعادة،

أيها السيدات والسادة،

لم يرقَ الحوار والتعاون بين حلف الناتو وشركائه في منطقة الخليج بعْد إلى مستوى إمكاناته الحقيقية - لكنّ سبب شراكتنا ما زال على نفس القدر من الأهمية: إنه معالجة التحديات العالمية المتزايدة التعقيد التي تواجهها دولنا جميعاً.

إنّ حلف الناتو مصمّم على تعزيز شراكاته وتطوير هياكلها. لذا، ينبغي علينا أنْ نغتنم هذه الفرصة لكي نتمكن سويّةً من توطيد الأمن ودعم الإستقرار المستدام في هذه المنطقة، وفي العالم بأسره.

شكراً لكم.