كلمة رئيسية

لنائب الأمين العام، السفير كلوديو بوسينييرو، في الحوار الثاني بين حلف الناتو ومصر

  • 25 May. 2008 - 25 May. 2008
  • |
  • آخر تحديث 25-Oct-2011 18:03

Ambassador Claudio Bisogniero NATO Deputy Secretary General (right); Ambassador Abdel Raouf El Reedy, Chairman Egyptian Council foreign Affairs (center); Mrs. Wafa Bassim, Chief of Cabinet of the Minister of Foreign Affairs of Egypt (left)

سعادة الوزير أبو الغيط، السّيد الرئيس [الريدي]، أصحاب السعادة، أيها السيدات والسادة،

يُسعدني أنْ أحضر الحوار الثاني بين حلف الناتو ومصر. كما أشكر المجلس المصري للشؤون الخارجية وقسم الدبلوماسية العامة لحلف الناتو على تنظيم هذا اللقاء.

لقد عقدنا حوارنا الأول قبل سنتيْن ونيّف. ومنذ ذلك الحين، تعزز التعاون بين حلف الناتو ومصر بصورة ملحوظة. وخير دليل على ذلك هو برنامج التعاون الفردي الذي وقّعنا عليه في العام الماضي، والذي يوسع نطاق تعاوننا ويُعزز بُعده المؤسسي. كما يمكّننا من الاستغلال الأمثل لجميع الفرص التي تتيحها شراكتنا.

إذاً، نحن أمام تقدم مشجّع للغاية. ومن المنصف القول إنّ الفضل الأكبر في تحقيق هذا التقدم يعود إلى وزير الخارجية أبو الغيط، الذي لا يسعني إلا أنْ أُشيد برؤيته الثاقبة وإصراره على التعزيز المستمر لعلاقاتنا.

وفي الحقيقة، أحرزت علاقاتنا تقدّماً هائلاً. فعندما انضمّت مصر إلى الحوار المتوسطي في عام 1995، كان حلف الناتو منهمكاً بمعالجة الانقسام الذي عانت منه أوروبا إبّـان الحرب الباردة. لذا، لم تكن حتى التوقعات المرتبطة بالحوار المتوسطي واضحة لأعضاء حلف الناتو ولا لشركائهم في هذا الحوار.

لكنْ بالطبع، إتّفقنا جميعاً على الأهمية الحيوية لأمن واستقرار منطقة حوض المتوسط بالنسبة لأوروبا؛ كما أجمعنا على وجود اعتماد اقتصادي متبادل ومتزايد بين أوروبا وحوض المتوسط. واتفقنا أيضاً على رفض السماح للبحر الأبيض المتوسط بالتحوّل إلى عامل جفاء سياسي أو ثقافي بيننا.

في المقابل، كان هناك العديد من الأسئلة الحائرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشير إلى الأسئلة التالية: ما هو الإطار السياسي الأمثل لتفعيل هذه الرؤية المشتركة؟ وكيف نضمن أنْ يكون حوارنا الناشئ مُجدياً؟ وما هي أنواع المشروعات التعاونية التي ينبغي علينا أن نطلقها من أجل إرساء وتعزيز حوارنا؟ وإلى أي مدى نستطيع تطبيق الدروس المستلهمة من تجربتنا التعاونية مع الشركاء الآخرين، على تعاوننا مع شركائنا الجدد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ وأخيراً وليس آخرا، كيف نضمن عدم تحوّل حوارنا وتعاوننا إلى رهينة للعثرات المحتملة لعملية السلام في الشرق الأوسط؟

واليوم، أصبح لدينا إجابات واضحة على جميع هذه الأسئلة – الأمر الذي يدعونا للتفاؤل بشأن مستقبل الحوار المتوسطي. فقد غدا هذا الحوار أعمق من أي وقت مضى وبلغ درجة غير مسبوقة من الثقة المتبادلة، ناهيك عن الاتساع المستمر لنطاق مشروعاتنا التعاونية. والأهم من هذا كلّه هو حقيقة أنّ شركاءنا في الحوار المتوسطي – لا سيما مصر – بلغوا درجة غير مسبوقة من الثقة بالنفس عند تحديد احتياجاتهم وأهدافهم المرتبطة بهذا الحوار.

وباختصار شديد، بعد بدايته المتواضعة كمبادرة ثانوية في منتصف التسعينيات، أصبح الحوار المتوسطي اليوم عملية رئيسية يُعتدّ بها. فهذا الحوار الذي مثّل في البداية خطوة حذرة في إطار سياسة توسيع حلف الناتو، تحوّل اليوم إلى شراكة استراتيجية حقيقية قائمة بحدّ ذاتها.

بالتالي، نحن أمام تطور مشجّع ومهمّ للغاية، خصوصاً أنه يأتي في الوقت المناسب. فعندما أُطلق الحوار المتوسطي في التسعينيات، كنّا نمر في المرحلة الإنتقالية لحقبة ما بعد الحرب الباردة؛ أما اليوم، فهناك تحديات جديدة وملحّة لا بدّ من مواجهتها بفاعلية.

إذ لا تزال"الدول الفاشلة" ساحات لتدريب الإرهابيين وملاذات آمنة للجريمة المنظّمة بكلّ أشكالها. ومع أنّ انتشار التكنولوجيا والمعلومات يفتح آفاقاً عالمية واسعة، إلا أنه، للأسف الشديد، يمنح المتشدّدين قدرات تدميرية غير مسبوقة. ويبدو أنّ التحوّل المناخي سيؤجج الصراع على بعض الموارد الطبيعية، لا سيما المياه، وعلى الحدود والأراضي الزراعية؛ كما أنه سيترك أثراً حادّاً على وفرة الأغذية الرئيسية وسواها.

علاوة على ذلك، وصل انتشار أسلحة الدمار الشامل إلى نقطة حرجة: فإذا استمر تحدي إيران وكوريا الشمالية لإرادة المجتمع الدولي، قد ينهار النظام العالمي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل – الأمر الذي سيحمل تداعيات خطيرة علينا جميعاً. أخيراً، ستؤدّي الاقتصادات الآسيوية ذات النمو المتسارع – وهي ظاهرة إيجابية بحدّ ذتها - إلى ارتفاع مضطّرد في الطلب العالمي على الطاقة، الأمر الذي سيُعزز أهمية أمن الطاقة. ولا داعي لتذكيركم بأن العديد من التحديات الآنفة الذكر أصبحت حادّة للغاية في هذه المنطقة.

بالتالي، أصبحت ضرورة التعاون في ما بيننا من المسلّمات. وخير دليل على ذلك هو مساهمة مصر في عمليات حلف الناتو في البلقان وأفغانستان. كما أنّ دعم الحلف لجهود حفظ السلام التي يبذلها الإتحاد الإفريقي دليل آخر على تعاوننا في معالجة التحديات الناشئة، في مختلف أنحاء العالم. لذا، فإنّ السؤال المعقول الوحيد الذي يمكن طرحه اليوم هو: كيف نستطيع تعزيز شراكتنا – أيْ كيف نضمن تمكين هذه الشراكة من تحقيق مصالحنا وأهدافنا المشتركة وتبديد هواجسنا بالفاعلية القصوى.

وفي الحقيقة، أعتقد أنّ مقومات مثل هذا الشراكة الفعّالة أصبحت متوافرة. إذ يشتمل برنامج عمل الحوار المتوسطي في العام الجاري على أكثر من 700 نشاط تعاوني - وتتراوح هذه الأنشطة من التدريب العسكري إلى التعاون العلمي إلى التخطيط للحالات المدنية الطارئة. كما أنّ الأدوات والآليات التي كانت مُقتصرة على تعاون حلف الناتو مع شركائه الأوروبيين، أصبحت الآن متاحةً لشركاء الحلف في الحوار المتوسطي. على سبيل المثال، أصبح شركاؤنا في الحوار المتوسطي قادرين على استخدام قاعدة بياناتنا الإلكترونية الشاملة "e-Prime"، كما أصبح بإمكانهم إرسال ضبّاط إلى خلية تنسيق الشراكات في مقر الحلف. وفُتح أمامهم أيضاً باب المشاركة في برنامجنا للتدريب والمناورات العسكرية. وينطبق هذا أيضاً على أنشطة عديدة أخرى لحلف الناتو، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون التسليحي.

وأحد العناصر الرئيسية لتعاوننا في إطار الحوار المتوسطي هو التدريب والتعليم العسكرييْن. وفي الواقع، أصبح التعاون بين ناتو القرن الحادي والعشرين والقوى غير التابعة له بمثابة القاعدة، لا الاستثناء. لذا، أعتقد جازماً بأنّ تعزيز فرص تعاوننا في مجالات التدريب والتعليم العسكرييْن والعقيدة القتالية يأتي في الوقت المناسب. ويسرّني أن أُشير إلى أنّ مصر تشاطرنا هذا التقدير وتشارك بفاعلية في هذه المجالات التعاونية. ففي أقل من سنتيْن، تضاعف عدد ممثلي مصر المشاركين في مناوراتنا وأنشطتنا العسكرية الأخرى.

ليس هذا وحسب، بل إننا نواصل استكشاف مجالات جديدة للتعاون والتشاوُر. ففي الشهر الماضي، مثلاً، تبنى أعضاء حلف الناتو والدول السبع الأعضاء بالحوار المتوسطي مفهوم اللقاءات غير الرسمية المنتظمة للدبلوماسيين والمخطّطين السياسيين. وقد دأب أعضاء حلف الناتو على عقد مثل هذه اللقاءات غير الرسمية "لتبادل الأفكار" منذ أوائل الستّينيات. وفي التسعينيات، وسّعنا نطاق تطبيق هذا المفهوم إلى اجتماعاتنا مع دول الشراكة من أجل السلام. ومؤخراً، قام الحوار المتوسطي بنفس القفزة إلى الأمام. وفي رأيي، يمثّل هذا التقدّم أحد مؤشرات نضج هذا المنتدى – لأنه مؤشر واضح على أنّ الحوار المتوسطي لا يقتصر على البعد العسكري فقط، بل يشتمل أيضاً على بعدٍ سياسي مهم.

وفي الختام، أودّ الإشارة إلى بعض القضايا التي أعتقد أنها ستؤثّر في وتيرة ومستوى التطور المحتمل لعلاقتنا.

أولاً: كما سبقت الإشارة، تُقدّم عملية الحوار المتوسطي فرصاً متزايدة لتعزيز التعاون العملي. ومع أنّ هذه الفرص تفتح آفاقاً واسعة لتعاوننا، إلا أنها تمثّل تحدّيا حقيقياً أيضاً – فصُنّاع القرار في هذه البلد باتوا اليوم أمام التحدي الكبير والمتمثّل بتحديد أولويات مصر الرئيسية في علاقاتها مع حلف الناتو، بالإضافة إلى تحديد كيف تستطيع مصر تحقيق المنفعة القصوى مما يقدّمه الحلف، وأين تريد تركيز جهودها ومواردها. وسيساهم برنامج التعاون الفردي الذي تم التوقيع عليه مع مصر في مواجهة هذا التحدي بفاعلية كبيرة، لأنه سيسمح لنا بالتخطيط المستنير لتعاوننا المستقبلي. وإذا وقّعت مصر وحلف الناتو قريباً على اتفاقية حماية المعلومات، وهذا ما أتمناه من كلّ قلبي، سيكون لدينا أساس أقوى بكثير لمواصلة تعزيز علاقتنا.

ويتعلّق التحدي الثاني بالدبلوماسية العامّة. إذ من المؤسف حقاً أنه ما زال في مجتمعاتنا صورٌ نمطية بالية وتصورات خاطئة قادرة على عرقلة تعاوننا. لذا، لا بدّ من العمل على إزالة هذه الصور والتصورات. ونحن في حلف الناتو نكرّس الكثير من الجهد والوقت لكي نُقنع الرأي العام لدينا بضرورة وجدوى التعاون مع الدول الشريكة. وأتمنّى أنْ تبذل الدول الشريكة أيضاً قصارى جهدها لإقناع شعوبها بضرورة وجدوى التعاون مع حلف الناتو. وبالطبع، يُمثّل هذا الأمر تحدياً حقيقياً يستطيع المجتمعون هنا – من دبلوماسيين وأكاديميين وإعلاميين - أنْ يساعدوا في التغلب عليه.

أصحاب السعادة،

أيها السيدات والسادة،

قبل شهر فقط، وأمام مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، حدّد وزير الخارجية أبو الغيط التحديات الأمنية التي تقلق مصر، وأبرزها: أزمة السودان وطموحات إيران النووية واستمرار الإضطرابات في العراق والإنقسام الفلسطيني وشلل الحياة السياسية في لبنان. مع ذلك، لم أُلاحظ أيّ شعور بالتشاؤم لدى السيد أبو الغيط. وبالنسبة لمصر، فإنّ استمرار الإضطرابات في جوارها يعني ببساطة ضرورة تكثيف الجهود لتحسين الأوضاع؛ وهذا هو التوجه الذي أقنع المجتمع الدولي بأنّ مصر طرفٌ يتمتع بدرجة عالية من روح المسؤولية.

ونظراً إلى سمعة مصر الراسخة كدولة حريصة على المساهمة في توفير الأمن داخل وخارج منطقتها، فإنني على يقين تامّ بأنّها ستنتهز الفرص الجديدة التي يوفّرها الحوار المتوسطي. إذ يوفّر هذا الإطار لنا جميعاً وسائلَ وسبُلاً جديدة ومبتكرة لمعالجة التحديات الأمنية الخطيرة الماثلة أمامنا. وآمل، بل أؤمن، بأنّ هذا اللقاء سيساعدنا في توحيد جهودنا لمعالجة هذه التحديات.

شكراً لكم على حُسن الإصغاء.