كلمة الامين العام لحلف شمال الأطلسي ياب دي هوب شيفر أمام مؤتمر حول 'الدور المتطور لناتو في الشرق الأوسط'' مؤسسة كارنيغي، واشنطن

  • 03 Jun. 2005
  • |
  • آخر تحديث 26-Jul-2011 17:46

السيدات والسادة،
اسمحوا لي أن أبدأ بالقول إنها لمتعة حقيقية  أن أكون مرة أخرى في واشنطن، والتوقف  ولسوء الحظ  لفترة قصيرة هنا في مؤسسة كارنيغي الشهيرة. أود أيضا أن أوجه كلمة شكر لمركز ستيمسون  لتنظيمه لقاء اليوم  بالتعاون مع شعبة الدبلوماسية العامة في حلف شمال الأطلسي.

 لقد خضنا خلال الستة أشهر الماضية في مناقشات حادة ولكنها كانت بناءة للغاية بشأن دور منظمة حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط.
بالنسبة لي، هذا يدل على أمرين. أولهما، الاستعداد المتزايد بين الحلفاء على الانخراط في نقاش سياسي حقيقي في  إطار حلف شمال الأطلسي. وانا أحيي هذا التطور وسوف نستمر في تعزيزه. ثانيا، الإدراك بأن ما يجري في الشرق الأوسط يعني شمال الاطلسي، كما ان التحالف من جانبه يكتسي أهمية  لدى الشرق الاوسط. وأنا أرحب أيضا بهذا الاعتراف.

أرى أن هناك ثلاثة تطورات رئيسية تؤكد حاجة المجتمع الأورو-أطلسي  التركيز على الشرق الأوسط، بما في ذلك من خلال حلف شمال الأطلسي:
أولا، ان التفاعل بين أمن الشرق الأوسط وأمن ضفتي الأطلسي أصبح أكثر قوة من أي وقت مضى. إن الديموغرافية والتوجهات الاقتصادية أضحت تخلق ترابطا أوثق بيننا. في حين أن التهديدات المتجددة،  كالإرهاب  وانتشار الجريمة المنظمة  والدول الفاشلة  تؤثر علينا جميعا، وتتطلب اجابة مشتركة.
ثانيا، هناك دينامية إيجابية جديدة في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط. بالطبع لا تزال هناك علامات استفهام  ازاء  دول مثل سوريا وايران. ولكننا نرى في كثير من البلدان الأخرى  فرصة واضحة  نحو مزيد من الحرية والديمقراطية. العراق يعثر ببطء على قدميه، على الرغم  من تحديات هائلة  لا تزال باقية. كما لا تزال لدينا نافذة من الفرص لإيجاد حلول عادلة ومستدامة للتوصل إلى حل للصراع الاسرائيلي الفلسطيني
ثالثا، قد تغيرت منظمة حلف شمال الأطلسي ولا تزال  مستمرة في التحول.
لقد ولت منذ أمد بعيد تلك الأيام التي كنا فيها تنظيما ساكنا  اوروبي المحور. ونحن على ادراك بأنه ينبغي علينا أن نكون اكثر استباقا في التعامل مع التحديات وأينما تنشأ،  تلك التي تهدد أمننا المشترك وقيمنا المشتركة،. ولهذا السبب أطلقنا تحدي البعثتين الى أفغانستان والعراق. ولهذا السبب أيضا نعمل على تحديث قدراتنا العسكرية. وهذا هو سبب تكثيف علاقاتنا مع الدول والمنظمات الأخرى.

هذا هو السياق العام الذي يجب على المرء من خلاله رؤية  تعزيز الحوار المتوسطي لحلف شمال الأطلسي مع سبع دول في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، ودعوة  دول الخليج  للعمل مع الحلف  في إطار  مبادرة استانبول للتعاون. لقد مضى عام تقريبا منذ أن شرعنا في  هذين المجهودين - عبر مؤتمر قمة حلف شمال الاطلسي في استانبول في حزيران/يونيو الماضي- والتجاوب بشأنهما حتى الآن ايجابي للغاية حقا.

لا يزال علي تأدية زيارتين لكل من موريتانيا ومصر، وسوف يتم ذلك في الأشهر القليلة المقبلة. ولكن في كل  البلدان الخمس الشريكة في الحوار المتوسطي التي زرتها  بالفعل، لقد رأيت اهتماما كبيرا في العمل معا مع الحلفاء. وترجم هذا الاهتمام بالفعل في تعزيز الحوار السياسي وكذلك عبر المزيد من التعاون العملي في مجالات مثل مكافحة الإرهاب أو الإصلاح الدفاعي.

في منطقة الخليج  كذلك،  كانت هناك استجابة ايجابية للغاية للشراكة مع حلف ناتو. لقد أجرينا محادثات استكشافية بناءة للغاية مع دول المنطقة، بما في ذلك تنظيم حلقات دراسية رفيعة المستوى  في عواصم تلك الدول  وفي كلية الدفاع التابعة لحلف شمال الاطلسي في روما على حد سواء.
في الأشهر القليلة الماضية، انضمت البحرين والكويت وقطر رسميا لمبادرة استانبول للتعاون. وأعتقد أن المزيد من الدول سوف تنضم في وقت لاحق هذا العام.

لذلك فإن ملخص التقرير المؤقت عن حوار و تعاون أكثر طموحا  في اطار الشراكة المتوسطية ومبادرة استانبول إيجابي بالتأكيد. ولكن كيف يمكننا المحافظة على هذا الزخم؟ من أجل القيام بذلك أعتقد أنه ينبغي علينا  أن نضع بعين الاعتبار وبقوة ثلاثة مبادئ واسعة:
أولا، ينبغي أن نواصل التركيز على التعاون العملي. وهنا يكمن تميز حلف شمال الاطلسي.  وللبلدان في الشرق الأوسط متطلبات واضحة في هذا الشأن. ان حلف شمال الاطلسي هو تحالف عملي،  وبالتالي فهو يقدم قائمة غنية من التعاون العملي للدول الأخرى للاستفادة منها.
يمكننا أن نبني على عشر سنوات من التعاون مع شركائنا في الحوار المتوسطي، وكذلك على استمرار نجاح الشراكة من أجل السلام التي أنطلقت منذ أكثر من عشر سنوات خلت بمحرك دفع امريكي. لقد تطورت  الشراكة من أجل السلام  إلى حد كبير في سياق أوروبي، ونحن لا نريد نقلها ببساطة إلى الشرق الأوسط لخصوصية أوضاعه. ولكن الشراكة من أجل السلام  تشمل العديد من مجالات الخبرة الفريدة المكتسبة  لحلف شمال الاطلسي والتي تبدو بدورها   قيمة لدول الشرق الأوسط، مثل التعاون بشأن أمن الحدود  والتدريب المشترك والتأهب للكوارث. وعلينا أن نبني على تلك القوة.
ثانيا، يتعين علينا مواصلة تعزيز الملكية المشتركة. دعونا نكون صادقين، يواجه حلف شمال الأطلسي في بعض أجزاء من الشرق الأوسط  مشكلة الصورة المشوهة، ونحن بحاجة إلى تصحيح هذا  المفهوم، ولكن لا يتأتى القيام بذلك إلا عبر الشراكة الحقيقية، بدلا من الاملاءات  أو الغطرسة
وهذا يعني أن "الملكية" في تعاوننا يجب أن تكون "ملكية مشتركة". وبعبارة أخرى، ان البلدان في المنطقة تمتلك نفس أسهم  الجهود التعاونية. الحوار المتوسطي ومبادرة استانبول للتعاون مسارات  ثنائية الاتجاه. وإذا كتب لهما النجاح  مع مرور الوقت في كسر القوالب النمطية وبناء الثقة، فإن للمبادرتين القدرة على تقديم مساهمة حقيقية لأمننا المشترك.

المبدأ الثالث والأخير هو التكاملية، حيث ينبغي إشراك الشرق الأوسط في اطار  جهد مؤسساتي تعددي،  يتعين من خلاله معالجة مختلف أبعاد التعاون، السياسية والاقتصادية والأمنية، بصورة متكاملة. وهذا يجعل من الاهمية بمكان ان تؤدي مؤسسات، كناتو والاتحاد الاوروبي ومنظمة الأمن والتعاون ومجموعة الثماني، الدور المناط بها بدلا من العمل، كل على حدة،  لتحقيق اهداف متعارضة 
 
وفي هذا السياق أريد أن أسلط الضوء على العلاقة بين ناتو والاتحاد الأوروبي. هي في الوقت الحاضر لاتزال تركز على إدارة الأزمات في البلقان. فإذا تمكنا من تحويلها إلى شراكة استراتيجية حقيقية - وهذا ما أواصل تشجيعه - سيكون لها أيضا إمكانات واسعة لإشراك الشرق الأوسط. ففي حال التجذر عمقا وصلابة في سياسة التشاور والتنسيق بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي فسينتج عن ذلك لا محالة اتباع نهج أكثر تماسكا في الشرق الأوسط. وهذا سيكون لمصلحة الجميع.
وفي الختام، اسمحوا لي أن أقول بضع الكلمات حول النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، والذي يشكل عقبة رئيسية لتحقيق المزيد من السلام والرخاء في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
من الواضح أن المسؤولية عن حل الصراع تقع أولا وقبل كل شيء على عاتق أطراف النزاع والتي اتخذت عددا من الخطوات الإيجابية في الأشهر الأخيرة
لكن من الواضح أيضا أنه ينبغي على المجتمع الدولي - خاصة أمريكا وأوروبا - المشاركة. وفي هذا الصدد، فإن الالتزام المتجدد في هذا الشأن من جانب الولايات المتحدة الأمريكية  يحظى بالترحيب.
 
لقد غصت في السجلات بدافع المجادلة  بأنه لا ينبغي استبعاد فرضية دور معزز  لحلف شمال الاطلسي في عملية السلام بالشرق الأوسط  - في حالة توصل الطرفان لاتفاق  وتوافقا على  دور لحلف شمال الأطلسي يحظى بتفويض من الامم المتحدة - وإنني أتمسك بهذا الرأي. فمن كان  يتخيل  قبل خمس سنوات من الآن ان يحقق حلف شمال الاطلسي  الاستقرار في أفغانستان؟ ومن كان يتوقع حتى قبل عام واحد بأننا سنمد يد العون إلى الاتحاد الأفريقي في عملية حفظ السلام باقليم دارفور غربي السودان، وهو أمر نحن نستعد الآن للقيام به؟ إذا كانت  السنوات العديدة التي قضيتها في السياسة والدبلوماسية علمتني شيئا واحدا، فهو ألا نستبعد أبدا  أي خيار ممكن من أجل تحقيق هدف ما.
على الرغم  مما ذكرته آنفا، ينبغي علينا أن التركيز الساعة على ما يمكن تحقيقه في المدى القريب، وفي هذا السياق، أعتقد أن التفاعل المتزايد بين  حلف شمال الأطلسي والشرق الأوسط سوف يكون مفيدا في حد ذاته من أجل السلام في تلك المنطقة. لماذا؟ لأن من شأن  الدور الأكثر تنظيما هيكليا  للحلف في الشرق الأوسط دفع  الحلفاء -أي  أوروبا وأمريكا – تجاه تطوير سياسات متماسكة طويلة الأجل للمنطقة.
 إذا كان هناك درسا واحدا  يستقيه حلف شمال الاطلسي، فهو أن الوحدة بين ضفتي الأطلسي أمر ضروري لإحراز أي تقدم. فعندما كانت أوروبا وأمريكا تعملان لتحقيق أهداف متعارضة، كانت النتيجة فشل كلاهما. فإذا توحدتا معا يمكنهما تحريك الجبال.
وفيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط ، لقد أدرك طرفا الأطلسي ومنذ أمد طويل أنهما بحاجة الى بعضها البعض للمساهمة في التوصل إلى حل مستدام. لدينا الآن فرصة لإحراز تقدم حاسم في هذا الاتجاه. ولدى حلف شمال الأطلسي دور يلعبه في هذا الصدد. شكرا لكم