الكلمة الرئيسية التي ألقاها الأمين العام لحلف الناتو، أندرس فو رسموسِن،

في المؤتمر الذي عُقد حول ''العلاقات بين حلف الناتو والإمارات العربية المتحدة ومستقبل مبادرة اسطنبول للتعاون ''، أبو ظبي - الإمارات العربية المتحدة، 29 أكتوبر 2009.

  • 29 Oct. 2009
  • |
  • آخر تحديث 20-Sep-2011 15:21

Opening of the conference. NATO Secretary General H.E.Mr. Anders Fogh Rasmussen's keynote speech at the joint NATO-UAE Conference

أصحاب السعادة،

أيها السيدات والسادة،

دعوني أبدأ بتوجيه خالص شكري إليكم يا سمو الشّيخ عبد الله وإلى حكومة الإمارات العربية المتحدة على حسن الضيافة، والترحيب الحارّ بمجلس شمالي الأطلسي وبي في بلدكم الكريم.

ولا يسعني إلا أنْ أُهنّئكم على تنظيمكم لهذا المؤتمر بالتعاون مع قسم العلاقات الدبلوماسية لحلف الناتو. ومنذ بداية فترة ولايتي كأمين عام لحلف الناتو وأنا أتطلّع إلى القدوم إلى، هنا، لكي أشدد على أهمية الحوار والتعاون بين حلف الناتو ودول منطقة الخليج ولكي أناقش معكم سُبل تعزيز علاقتنا.

وعندما توليّت مهام منصبي الحالي في أغسطس، أعلنتُ أنّ تعزيز العلاقات بين حلف الناتو وشركائه في منطقتيّ الخليج وحوض المتوسط سيكون أحد أولوياتي الرئيسية. كما أنني أجريت في بروكسل خلال الشهور الثلاثة الماضية مشاورات بناءة، مع سفراء جميع شركائنا الأحد عشر في هاتيْن المنطقتيْن.

وفي الشهر الماضي، إنتهزت فرصة زيارتي لمقرّ الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لكي أجتمع بكم يا معالي الوزير آل نهيان، وبوزراء آخرين من دول هاتيْن المنطقتيْن. ولستُ مصمماً فقط على الحفاظ على هذا الحوار الناشط خلال ما تبقى من فترة ولايتي، بل إنني مصمم أيضاً على تكثيف هذا الحوار.

لماذا أعتقد أنّ مثل هذا الحوار المكثّف مهم؟ ببساطة، لأن أمن دول منطقة الخليج - ودول حوض المتوسط - يكتسي بالغ الأهمية بالنسبة لحلف الناتو؛ ولأنّني أعقد جازماً بأن حلف الناتو مهمّ للغاية بالنسبة لأمنكم.

وتؤثر نفس الأخطار والتهديدات بصورة متزايدة في أمن دولنا كافّة - فهناك التطرّف والإرهاب والجريمة العابرة للحدود وإمكانية امتلاك أخطر الإرهابيين لأخطر أنواع الأسلحة.

ولدينا أيضاً مصلحة مشتركة في مساعدة دول مثل أفغانستان والعراق في الوقوف مجدّداً على قديمها، وفي تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط ككل وفي منع دول مثل الصومال والسودان من الإنزلاق إلى مزيد من الفوضى.

كما نشعر جميعاً بقلق عميق إزاء طموحات إيران النووية - وتأثيرها المتمثل بالسباق النووي المحتمل في منطقة حيويّة بالنسبة للأمن والاستقرار العالمييْن.

ولدينا أيضاً مصلحة مشتركة في ضمان أمن الطاقة، سواء كُنّا من الدول المصدّرة أو المستوردة لهذه الامدادات أو من دول عبورها.

كما نحرص جميعاً وبشدّة على حماية الممرّات البحرية الحيوية من تهديد القراصنة وعلى ضمان أمن الملاحة البحرية بصورة عامة.

لذا، نرى من البديهي أن نعقد مشاورات سياسية منتظمة حول هذه القضايا وسواها من القضايا ذات الاهتمام المشترك. ونرى من البديهي أيضاً أنْ نستفيد من معارفنا وخبراتنا التخصصية وأنْ نعزز تعاوننا العملي لمعالجة هذه القضايا.

ومن حيث الجوهر، هذه هي الأسباب المنطقية الرئيسية لتعاون حلف الناتو مع دول منطقة الخليج في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون، التي ألتزم بها شخصياً – ولديّ رغبة شديدة في مواصلة تطويرها خلال ما تبقى من فترة ولايتي كأمين عام لحلف الناتو.

وإذا أردنا أنْ يزدهر تعاوننا وأنْ يعود علينا بمنافع متكافئة، أعتقد أنه ينبغي على هذا التعاون أن يقوم على عدد من المبادىء الأساسية. وأهم هذه المبادئ هو احترام خصوصية كلّ واحدة من دولنا - احترام تاريخها وتقاليدها وثقافتها ودينها.

وكما أسلفت، فإنني شديد الاهتمام بالإستماع إليكم. فأنا مهتم بالتوصل إلى فهم أفضل لهواجس كلّ شريك لنا في مبادرة اسطنبول للتعاون وبمناقشة مدى ارتباط هذه الهواجس، بهواجسن أعضاء حلف الناتو. كما أنني مهتم بالبحث عن السبل الكفيلة بمعالجة هذه الهواجس – معاً.

وأودّ التشديد على عبارة "معاً" لأنها تشير إلى مبدأ أساسي آخر لتعاوننا – إنه مبدأ التعاون الحقيقي المتبادل. إذ ينبغي على عملية إيجاد الحلول المشتركة للتحديات المشتركة أن تكون جهداً جماعياً. بالتالي، ينبغي علينا جميعاً أن نبرهن على التزامنا الحقيقي في استثمار الوقت والجهد والموارد في تعاوننا؛ لأن غياب الالتزام المشترك يجعل القيمة الإضافية لتعاوننا ضئيلة.

وتشير عبارة "القيمة الإضافية" إلى المبدأ الرئيسي الثالث والأخير – والذي يقضي بأنه ينبغي على تعاوننا في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون أنْ يسعى إلى إكمال، وليس إعادة إنتاج، الأشكال الأخرى للتعاون الدولي أو الثنائي، بالأحرى.

ولا يفرض حلف الناتو شيئاً على أيّ شريك في مبادرة اسطنبول للتعاون - أو أي شريك آخر. وتتلخّص فلسفة شراكتنا بعرض التعاون في المجالات التي لدينا فيها تجارب وخبرات فريدة؛ ولدى شركائنا فيها احتياجات مُحدّدة وإرادة حقيقية لتقاسم هذه التجارب والخبرات.

وفي السنوات القليلة الماضية، ساعدتنا هذه المبادئ في إعطاء مبادرة اسطنبول للتعاون دفعة قوية. فقد انضم إليها أربع دول هي: الكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. كما ارتفعت وتيرة المشاورات السياسية ومستوى المشاركين فيها وازداد عدد القضايا التي يُمكن التشاور حولها. ونزولاً عند رغبة شركائنا في مبادرة اسطنبول للتعاون، زاد حلف الناتو فرص التعاون العملي بصورة مضطّردة. وسُررنا أيضاً للإهتمام المتزايد الذي أبدته المملكة العربية السعودية وعمان بالعمل معنا، كما يتجلى من خلال حضورهما لهذا المؤتمر، ولا يسعني إلا أنْ أرحّب بهذا الاهتمام.

ويُعقد هذا المؤتمر في الإمارات العربية المتحدة لأنها تحوّلت بسرعة لافتة إلى شريك فاعل جداً في مبادرة اسطنبول للتعاون. فقبل ظهيرة هذا اليوم، سنرفع مستوى تعاوننا من خلال التوقيع على اتفاقية حول أمن وحماية المعلومات السرية. كما أننا ناقشنا مؤخراً إمكانية التوقيع على "برنامج التعاون الفردي" من أجل تعزيز هياكل ومحاور المجالات المتزايدة لتعاوننا العملي - إبتداءً بمكافحة الإرهاب ومروراً بالتعليم والتدريب العسكريين وانتهاءً بالتخطيط للحالات المدنية الطارئة.

علاوة على ذلك، أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى سنوات عدّة تصميماً قوياً على المساهمة في حفظ الأمن خارج منطقة الخليج. فبعد دعمها لعملية حفظ السلام الناجحة التي قادها حلف الناتو في منطقة البلقان في التسعينيات، ساهمت هذه الدولة مشكورة في عمليتنا في أفغانستان. ونتطلع أيضاً إلى البناء على هذا الجهد المشترك وتعزيزه.

وعندما أنظر إلى المستقبل أرى فرصاً كبيرة مُتاحةً لنا جميعاً - الإمارات العربية المتحدة وسائر دول الخليج العربية وأعضاء حلف الناتو - لترسيخ وتعزيز تعاوننا في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون. وبوجه خاص، أعتقد أنّ هناك ثلاثة مجالات يُـمكن أن نعطيها دفعةً جديدة وآمل أنْ نناقشها اليوم.

أولاً: رؤية واضحة للتعاون العملي - لأنها ستولّد منافع ملموسة تدعم الأسباب المنطقية لتعاوننا السياسي وتساعدنا في إقناع شعوبنا بعقلانية وجدوى هذا التعاون. وكما أسلفت، فإنّ حلف الناتو زاد في السنوات القليلة الماضية فرص التعاون العملي. ومع أن قائمة هذه الفرص تشتمل على فرص كثيرة لشركائنا في مبادرة اسطنبول للتعاون، إلا أنها تمثل أيضاً تحدياً كبيراً لهم- ويكمن هذا التحدي في عدم توسيع نطاق جهودهم أكثر مما ينبغي، وذلك من خلال التركيز على المجالات الواعدة. ويُعدُّ الانخراط في "برنامج التعاون الفردي" الذي يقدّمه حلف الناتو وسيلة مثلى لمواجهة هذا التحدي.

ثانياً: أعتقد أنّ هناك إمكانية حقيقية لمواصلة تطوير مبادرة اسطنبول للتعاون كإطار أصيل للمشاورات السياسية المتعددة الأطراف حول التحديات الأمنية المتزايدة التعقيد، التي تواجهها دولنا كافّة. وكما سبقت الإشارة، تم تكثيف حوارنا السياسي بشكل ملحوظ - لكن معظم هذا التكثيف نجم عن المحادثات الثنائية التي عقدها الحلف مع شركائه في مبادرة اسطنبول للتعاون. وفي العام الماضي، عُقد اجتماعان بين جميع دول الناتو وشركائهم الأربعة في مبادرة اسطنبول للتعاون؛ ووُصف هذان الاجتماعان بأنهما كانا الأجدى من نوعهما.

لذا، أعتقد أنه ينبغي علينا أنْ نبني على هذه التجربة الإيجابية وأنْ نعقد المزيد من المشاورات المنتظمة، بما في ذلك على مستوى الخبراء، لكي نتلمّس الأفق الاستراتيجي بكل أبعاده.

أخيراً، يعمل حلف الناتو حالياً على تطوير مفهوم استراتيجي جديد يُـحدّد دوره ومسؤوليات في المشهد الأمني الناشئ بصورة أفضل. وهذه عملية فريدة من نوعها لأننا نتواصل ونتفاعل بطريقة غير مسبوقة مع المجتمع الاستراتيجي - الباحثين والخبراء والأكاديميين والصحفيين – والرأي العام من خلال وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، على حدّ سواء. وأثناء المشاورات التي أجريتها مع شركائنا في مبادرة اسطنبول للتعاون خلال الشهور القليلة الماضية، لمست اهتماماً كبيراً بهذه العملية؛ ولا يسعني إلا أنْ أُرحّب بهذا الاهتمام.

وفي الحقيقة، يبرهن هذا الاهتمام على مدى تقارب هواجسنا الأمنية. لذا، أدعو شركاءنا في مبادرة اسطنبول للتعاون إلى إسماع صوتهم وعدم الاكتفاء فقط بمتابعة عملية تطوير المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف؛ فهناك متسع للإستماع إلى جميع آرائكم ذات الصلة.

وأُدرك تماماً أنّ مجتمعاتنا ودولنا ما زالت تشهد العديد من مظاهر سوء الفهم والصور النمطية والتصورات الخاطئة التي ينبغي إزالتها. كما أدرك أنّ تأسيس أنماط جديدة للتعاون الأمني عبر حدود جغرافية وثقافية ودينية قديمة سيحتاج إلى المثابرة والصبر. لكنّني أدرك أيضاً أنّ غياب التقدم الحقيقي في عملية السلام في الشرق الأوسط سيعرقل أيّ جهد في هذا المضمار.

لقد كرّرت دول حلف الناتو، وأنا شخصياً عندما كنت رئيس وزراء الدنمارك، التأكيد على التزامها بحلّ الدولتيْن الذي يقضي بأنْ تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب بأمن وسلام.

ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي على طرفيّ النزاع أنْ يلبيا متطلبات محدّدة:

أولاً: يتعيّن على الفلسطينيين أن يعلنوا بكل صراحة ووضوح نبذ العنف وأنْ يتخذوا إجراءات ملموسة لإنهاء نشاطهم المسلّح وجميع ممارساتهم العنيفة، ضدّ الإسرائيليين أينما تواجدوا.

ثانياً: يتعيّن على إسرائيل أن تتّخذ جميع الاجراءات اللازمة للمساعدة في إعادة الحياة الطبيعية إلى الفلسطينيين كما يتعيّن عليها أنْ توقف جميع أنشطتها الإستيطانية، بينما يتعيّن على الفلسطينيين أنْ يتعهّدوا بإصلاح مؤسساتهم المدنية وهياكلهم الأمنية.

ثالثاً: يتعيّن على إسرائيل أنْ تنسحب من المناطق الفلسطينيّة التي احتلتها بعد "إنتفاضة الأقصى" التي اندلعت في عام 2000، وأنْ تُبدي استعدادها للقيام بكل ما يلزم لإنشاء دولة فلسطينيّة مستقلة وقابلة للحياة وسيدة وديمقراطية.

رابعاً: يتعيّن على القيادة الفلسطينيّة أنْ تصدر بياناً واضحاً وصريحاً تُجدّد فيه تأكيدها على حقّ إسرائيل في الوجود وفي العيش بأمن وسلام.

وأخيراً، يتعيّن على الطرفيْن أن يبرما إتفاقية تنهي الإحتلال الذي بدأ في عام 1967، وتشتمل على حل عادل ومنصف وواقعي لقضية اللاجئين وعلى تسوية تفاوضية لوضع القدس تأخذ في الحسبان الهواجس السياسية والدينية لكلا الطرفيْن، وتحمي المصالح الدينية ليهود ومسلمي ومسيحيي العالم.

وإذا تمّت تلبية هذه المتطلبات، سيكون بإمكاننا أنْ نأمل في تحقيق رغبتنا في إحلال السلام الدائم في هذه المنطقة على أساس حل الدولتيْن الذي يقضي بأن تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب بأمن وسلام.

حينئذٍ، سنأمل أيضاً بأنْ يمهّد مثل هذا الحلّ السبيل لتحقيق السلام الشامل بين العرب وإسرائيل لكي تنعم  دول المنطقة كافة بالأمن.

أصحاب السعادة،

أيها السيدات والسادة،

تُقدّم مبادرة اسطنبول للتعاون مجموعة كبيرة من الإمكانيات الجديدة والمثيرة للإهتمام – فهي تُطلق دينامية جديدة في علاقاتنا وتسمح بفتح قنوات جديدة للحوار السياسي وتوفّر فرصاً إضافية عديدة للتعاون العملي. وسأبذل قصارى جهدي من أجْل ضمان اغتنام هذه الفرص خدمةً لأمن دولنا وشعوبنا.

شكراً لكم.