خطاب

الكلمة االتي ألقاها لأمين العام لحلف الناتو، أندرس فو رسموسِن، في مؤتمر هيرزليا الحادي عشر الذي عُقد في هيرزليا - إسرائيل

  • 09 Feb. 2011
  • |
  • آخر تحديث 20-Sep-2011 12:48

السّيد ستاينَر Steiner، شكراً جزيلاً على هذه الكلمة الافتتاحية القيّمة.
الأستاذ الدكتور رايشمان Reichman، الجنرال روتشيلد Rothschild
أصحاب السعادة،
أيها السيدات والسادة،

يُسعدني أنْ أُلقي اليوم كلمةً في مؤتمر هيرزليا الذي أصبح حدثاً عالمياً بارزاً. ففي الشهور القليلة الماضية، كرّست معظم خطاباتي لقضية أوروبية محورية: ألا وهي الأزمة الاقتصادية. لذا، يسرني أنْ أتطرق اليوم إلى موضوع آخر في بلد نما اقتصاده في العام الماضي بنحو 4%.

لقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية أحداثاً دراماتيكية في جوارنا القريب: في مصر وتونس وعبر العالم العربي. وأنا على يقين تام بأنّ العديد منكم في إسرائيل يشعرون بقلق عميق جرّاء هذه التطورات. ولئن اتسمت الأوضاع الاقليمية الراهنة بقدر كبير من الغموض، إلا أنها، باعتقادي، تنطوي أيضاً على إمكانية كبيرة للتغيير الإيجابي والديمقراطي.

وفي أوقات الثورات، كالأوقات الراهنة، نعتمد على الشراكات الراسخة. وفي الحقيقة، أقف اليوم أمامكم لكي أتحدّث عن سبل تحقيق مستقبل أفضل للعلاقات القائمة بين حلف الناتو وإسرائيل وباقي شركائه في منطقة حوض المتوسط. وأعتقد جازماً بأن مستقبل هذه العلاقات يعتمد على ثلاثة أمور. أولاً: كيف نعرّف تهديداتنا وتحدياتنا المشتركة. ثانياً: إيجاد حلول مشتركة. وأخيراً، وهذا هو الأهم، إدراكنا بأنّ مصيرنا مشترك.

لقد تأسّس الحوار المتوسطي في عام 1994. ومنذ إطلاق هذه المبادرة، ظلّت إسرائيل من أكثر أطرافها نشاطاً. وسمحت هذه المبادرة لإسرائيل بالجلوس مع شركائنا العرب حول مائدة واحدة وبالدخول معهم في حوار سياسي وأمني لامس حتى مسألة التعاون العسكري. ويُعدُّ هذا التطور إنجازاً كبيراً لا ينبغي التقليل من شأنه.

لكنّ الحوار المتوسطي لم يأتِ من فراغ. فقد تأسّس مباشرةً عقب اتفاقية أوسلو ومعاهدة السلام الإسرائيلية – الأردنية. ويُمكن وصف تلك الحقبة بأنها حقبة التفاؤل في منطقة الشرق الأوسط. ومع أنني متفائل بطبيعتي، إلا أنني واقعيٌّ أيضاً. لذا، أُعلّق أهمية خاصة على الديناميات الاقليمية المتغيرة وما تعنيه بالنسبة للأمن المستدام في هذه المنطقة.

فقد تزايدت أهمية التهديدات الجديدة بالنسبة لدول حوض المتوسط حتى باتت تعتبر انتشار الأسلحة النووية والصواريخ البالستية والإرهاب مشكلات حقيقية بالنسبة لها، شأنها شأننا جميعاً في حلف الناتو. فالمفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف، والذي أقرّته قمة لشبونة، ينصّ بوضوح على أنّ انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى ووسائل ايصالها يُنذر بتداعيات خطيرة على الإستقرار والازدهار العالمييْن. وفي العقد القادم، نتوقّع انتشاراً واسعاً لأسلحة الدمار الشامل ووسائل ايصالها في بعض أقلّ مناطق العالم استقراراً.

ويمثّل الانتشار السريع والمتزايد للصواريخ البالستية التقليدية خطراً واضحاً. وفي الوقت الراهن، هناك أكثر من ثلاثين دولة تمتلك تقنيات إنتاج هذه الأسلحة أو توشك على امتلاكها. وقد أصبح بعض هذه الدول قادراً على ضرب دول أعضاء بحلف الناتو بواسطة هذه الصواريخ. وتأكيداً على التزام الحلف بامتلاك الوسائل اللازمة لمواجهة هذه التهديدات، قرر في قمّته الأخيرة التي عُقدت في لشبونة تطوير منظومة للدفاع الصاروخي. وما زال الإرهاب تهديداً مشتركاً يهدف إلى تدمير أسلوب حياتنا. وما الهجوم الأخير على أكثر مطارات موسكو ازدحاماً إلا دليل مأساوي واضح على أنّ الإرهاب قادر على استهداف أي دولة في العالم. وبالطبع، تُدرك إسرائيل معنى هذا التهديد جيداً لأن الإرهاب استهدفها مراراً وتكراً.

وكما أسلفت، فإنّ تحدياً جديداً ومختلفاً بدأ يظهر في شتى أرجاء المنطقة: إنه ضرورة تلبية مطلب الإصلاحات الديمقراطية الذي رفعته المجتمعات العربية. وقبل أسبوعين فقط، كانت قلّة قليلة قادرة على التنيّؤ بمثل هذا التطوّر – الذي ما زال في طور التبلور. ونحن نراقب هذا الوضع عن كثب – لأنّ مصر وتونس عضوان مهمان بالحوار المتوسطي. وقد دعوْت جميع الأطراف هناك على الدخول من دون تأخير في حوار مفتوح لضمان تحقيق انتقال سلمي وديمقراطي وسريع، كما دعوتهم إلى الاحترام الكامل لجميع حقوق الإنسان.

وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، اضطلعت مصر بدور اعتدالي رئيسي في المنطقة. ومن أولياتنا جميعاً أنْ تظلّ مصر قوّة داعمة للسلام والاستقرار.

هذا، ونحتاج إلى مواصلة البحث عن حلول مشتركة. ونعتقد جازمين بأنّ بناء شبكة عريضة من علاقات الشراكة مع الدول والمنظمات حول العالم، هي الوسيلة المثلى لحماية أمن أوروبا الأطلسية في القرن الحادي والعشرين. ولهذا السبب، أطلق حلف الناتو عملية تقييم دقيق لعلاقاته مع شركائه. ونأمل أن يساهم شركاؤنا بفاعلية كبيرة في إنجاح هذه العملية.

ومع أنّنا لا نزال في بداية الطريق، إلا أنني على يقين تام بأنّ شراكة حوارنا المتوسطي الجديد ستجابه تهديدات وتحديات الغد بفاعلية أكبر. وأتصور أنّ هناك ثلاثة مجالات ذات أولوية خاصّة يمكن تحسينها: المشاورات السياسية والتعاون العملي والعمليات.

أولاً: المشاورات السياسية الثنائية والمتعددة الأطراف. يوفّر الحوار المتوسطي الأدوات اللازمة لتبادل الآراء حول جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك. ويعود إلينا جميعاً أمر اتخاذ قرار تكثيف وتوسيع هذه النقاشات. ولا بد من مواصلة الحوار لمعالجة القضايا المهمة.

ثانياً: لقد قررنا توسيع تعاوننا العملي. بالتالي، سنرفع عدد الأنشطة التي يمكن لجميع دول حوض المتوسط أنْ يشاركوا فيها من نحو 700 نشاط إلى أكثر من 1600 نشاط. وبشأن مشروعات التعاون، لن يكون هناك أي تمييز بين دول حوض المتوسط والشركاء الأوروبيين لحلف الناتو.

وأرى من الممكن أيضاً أنْ نتعاون في مجالات جديدة، كالتخطيط للحالات المدنية الطارئة والتعاون العسكري الثنائي ومكافحة الإرهاب، مثلاً. وبخصوص الحالات المدنية الطارئة، أودّ الإشارة إلى أنّ العديد من أعضاء حلف الناتو ساهموا في ديسمبر الماضي في الجهد الذي بذلته إسرائيل، لإطفاء الحرائق التي اندلعت في شمالها. ويمكن تعزيز هذا النوع من التعاون عبر التدريبات والمناورات المشتركة والتواصل الفعال، بين مراكزنا المعنيّة برصد الحالات الطارئة.

ولضمان حماية أعضائه، يطوّر حلف الناتو قدرات جديدة لمواجهة التهديدات والتحديات الناشئة، مثل نظام الدفاع الصاروخي ووسائل الحرب الإلكترونية. وبالطبع، نريد أيضاً مناقشة هذه القضايا مع شركائنا، لا سيما في المناطق التي نواجه فيها تهديدات مشتركة، علماً أننا سنحترم سياسات الأمن القومي لشركائنا وسنبدي أكبر قدر ممكن من المرونة عند التعامل مع مثل هذه التهديدات.

وثالثاً: العمليات. يشارك عدد من شركائنا بالحوار المتوسطي في عملياتنا الجارية في كوسوفو وأفغانستان. وهذه المساهمات مهمة للغاية. لكنْ من المهم أيضاً أنْ نضع إطاراً واضحاً يُنظّم إمكانية توسيع مساهمات شركائنا بالحوار المتوسطي، في العمليات التي يقودها حلف الناتو.

وليس لديّ أي أوهام بشأن دور حلف الناتو في توفير الأمن في هذه المنطقة: فالحلف لا يستطيع حلّ  جميع المشكلات ولم يسعَ إلى ذلك قط. وفي الحقيقة، لم يتوقع شركاؤنا بالحوار المتوسطي مثل هذا الدور؛ لكننا نستطيع تقديم دعم كبير للجهود المبذولة في هذه المنطقة.

أيها السيدات والسادة، سأنتقل الآن إلى نقطتي الأخيرة: إنها المصير المشترك لأعضاء الحلف ودول حوض المتوسط. إنّ العلاقات المتينة والتفاعلية بين أوروبا الأطلسية وإسرائيل جزء رئيسي من هذا المصير. ولدينا أيضاً الكثير من القواسم المشتركة عدا الديمقراطية التعددية والنقاش العامّ المنفتح والمشهد الإعلامي المفعم بالحيوية.

لكنّ الاستقرار والازدهار لا يتحققان إلا من داخل المنطقة. ولا يمكن الحفاظ عليهما إلا من خلال تعاون الأطراف الاقليمية الفاعلة.

وبموجب مبادرة الحوار المتوسطي، يستطيع حلف الناتو أن يساعد المنطقة من خلال القيام بدور المسهّل وبناء علاقات أوثق مع الأطراف المعنية وتوفير منبر للحوار الأمني. لكنّ الدول الأوروبية الأعضاء بحلف الناتو وضعت خلافاتها جانباً وأسست آليات أمنية تمكّنها من مجابهة تحديات الغد. وينبغي على دول الشرق الأوسط أن تحذو حذو هذه الدول الأوروبية. وفي الحقيقة، أعتقد أنّ إسرائيل قادرة على الاضطلاع بدور رئيسي في هذا المجال.

وبالطبع، يبدو هذا الطرح الآن طوبوياً بسبب غياب تسوية للسلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط. كما أنّ النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس المشكلة الوحيدة في المنطقة ولكنه ما زال عقبةً كبيرة في سبيل معالجة القضايا الأخرى التي تهدّد استقرار المنطقة. ولا شك في أنّ عدم التوصّل إلى حلّ نهائي لهذا النزاع يواصل زعزعة الاستقرار الاقليمي.

لم يشارك حلف الناتو في عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط ولا يسعى للمشاركة فيها.  وهناك ثلاثة شروط معروفة جيداً لأيّ مساهمة محتملة لحلف الناتو في حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وهي: إذا تم التوصّل إلى اتفاقية للسلام الشامل بين إسرائيل والفلسطينيين؛ وإذا طلب الطرفان من الحلف أنْ يساعدهما في تنفيذ هذه الإتفاقية؛ وإذا وافقت الأمم المتّحدة على مثل هذا الطلب.

وبالطبع، لا تتوافر هذه الشروط الثلاثة في الوقت الراهن. ومع أنّ التقدّم في عملية السلام في الشرق الأوسط يقع على عاتق طرفيّ النزاع والرباعية والأمم المتّحدة، إلا أنّ أعضاء حلف الناتو يعلّقون أهمية خاصة على التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة وشاملة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وللمساريْن اللبناني والسوري، وذلك من أجل تحقيق حلّ الدولتيْن القاضي بأنْ تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب بأمن وسلام.

وكما أوضحت الرباعية في نهاية الأسبوع، فإنّ أي تأخير في استئناف المفاوضات سيقلص فرص تحقيق السلام والأمن في المنطقة. لذا، لا بدّ من الإسراع في استئناف المفاوضات.

وهناك دينامية جديدة في المنطقة. وينبغي علينا أن نغتنم فرصة البناء عليها.

ولا بد من إنشاء مؤسسات التعاون الاقليمي اليوم لكي تعالج تحديات الغد.

كما يتعيّن علينا أن نعزز جهودها المبذولة لإيجاد حلول مشتركة لمشكلاتتا المشتركة لكي يكون مصيرنا المشترك هو الحريّة والسلام والاستقرار.

شكراً لكم.