عصر جديد من التعاون الأمني

خطاب الأمين العام للمنظمة حلف شمال الأطلسي ياب دي هوب شيفر أمام مؤتمر سفراء مبادرة استانبول للتعاون

  • 24 Apr. 2008
  • |
  • آخر تحديث 10-Nov-2010 16:52

صاحب السمو،

الوزراء،

أصحاب السعادة

السيدات والسادة،

نيابة عن مجلس شمال الأطلسي، أود أن أشكر مملكة البحرين، صاحب السمو الملكي ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، وعلى وجه الخصوص معالي وزير الخارجية الشيخ خالد آل خليفة على كرم الضيافة والحفاوة.

واسمحوا لي أن أوجه كلمة شكر خاصة  للشيخ عبد العزيز آل خليفة وفريقه  بوزارة الخارجية لسعيهم مع شعبة الدبلوماسية العامة في الحلف لضمان نجاح هذا المؤتمر.

ان  صناع القرار والرأي العام هنا في البحرين، وفي جميع دول حلف شمال الأطلسي، كما في العديد من البلدان الأخرى،  جميعهم على ادراك متزايد بأن هناك وجهان للعولمة، ليس حصرا  في قوتها على كسر الحواجز وفتح الاقتصادات  ونشل الناس من براثن الفقر، وانما لديها بعض الآثار غير السارة السلبية والخطيرة، والتي ليست أية من دولنا محصنة ضدها. لقد استهدف الارهاب دولا في  أوروبا ، في أمريكا الشمالية  وفي منطقة الخليج. ان عدم الاستقرار في العراق وأفغانستان يعنينا  جميعا، بغض النظر عن القرب أو البعد  الجغرافي. ان سعي ايران  للقدرة على تخصيب اليورانيوم منتهكة بذلك التزاماتها أمام مجلس الأمن يشكل  مصدر قلق بالغ ليس فقط لدول الجوار، بل لكامل المجتمع الدولي، وكما أن لدينا مصلحة مشتركة في أمن الطاقة، مصدرين لها كنا،  بلدان عبور، أو مستهلكين

الجغرافيا لم تعد درعا  للوقاية من التحديات العالمية، فما نحتاجه  هو استجابات عالمية - مقاربات جديدة ومبتكرة تتخطى الحدود الوطنية والجغرافية والثقافية

شكَل التعاون الناشئ بين دول الخليج وحلف شمال الاطلسي مثالا مشجعا لتوفير الأمن والاستقرار عبر طرق جديدة. وعلى الصعيد المحلي، أثبتت دول الخليج ومنذ فترة طويلة التصميم القوي على التجاوب مع التغيير والإصلاح، بل العديد من دول الخليج أبدت تصميما قويا على الجمع بين فخرها الإسلامي وتراثها العربي مع التحديات والفرص التي تطرحها العولمة والتحديث، فتنويع اقتصاداتها والاستثمارات الهائلة في الخدمات العامة والتعليم والبنية التحتية ليست سوى الأمثلة الأكثر جلاء.

وفي مجال السياسة الخارجية كذلك قد تبنت دول الخليج بوضوح التغيير، لقد برزت كلاعب حقيقي في تحديد الحق برسم علاقاتها مع الجهات الفاعلة الأخرى وفقا لمصالحها الاستراتيجية. وأنها شاركت في بعض الأحيان  في بعثات خارج منطقتها، بما في ذلك من خلال المشاركة في بعثات حفظ السلام التي يقودها حلف الاطلسي في البلقان.

ان حلف شمال الأطلسي، باعتباره منظمة تتعامل ولأكثر من نصف قرن  مع التعاون الأمني متعدد الجنسيات، بمقدوره عرض ثروة من الخبرات  على البلدان غير الأعضاء في الحلف. والأهم من ذلك، لقد تمكنا على مدى العقد الماضي  من تنمية الروابط السياسية والعسكرية الضرورية مع الدول غير الأعضاء في ناتو لجعل تعاوننا اكثر فعالية، وهذا هو السبب في ان حلف شمال الاطلسي هو الآن في وضع أفضل بكثير لتقديم مساهمة ملموسة في تحقيق الأمن والاستقرار بشكل كبير خارج حدوده، بما في ذلك هنا في منطقتكم.

ان مبادرة استانبول للتعاون، التي انطلقت في 2004 ، هي انعكاس لهذه التغيرات وبمقدورها توفير عرض للتعاون مع البلدان في هذه المنطقة من أجل  تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، وابراز قيمة مضافة لمبادرات أخرى كثيرة جارية في الوقت الراهن، كالتعاون الثنائي مع  شمال الاطلسي في المناطق التي تمكن التحالف، خلال السنوات 59  من نشأته،  من وضع مهارات معينة وخبرات قد تحظي باهتمام بلدان هذه المنطقة.  ان مبادرة استانبول للتعاون توفر إمكانيات لحصد فوائد كبيرة لنا جميعا- لهذه المنطقة ولمنظمة حلف شمال الأطلسي نفسها. لقد اختارت  البحرين، سويا مع الكويت وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة، الانضمام الى المبادرة في وقت مبكر، ونأمل انضمام كلا من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في المستقبل غير البعيد.

على مدى السنوات القليلة الماضية ، لقد تنامت فرص التعاون العملي متبادل المنفعة. وهي الآن تتراوح  ما بين مكافحة الإرهاب إلى الاستجابة للكوارث والدبلوماسية العامة. ففي غضون سنتين،  ازداد عدد الانشطة التي نقدمها الى ثلاثة اضعاف، وتبلغ حاليا اكثر من 260 نشاط

لكنها ليست مجرد أرقام مثيرة للإعجاب، فما هو أكثر أهمية هو أنه قد تم تطوير هذا البرنامج من خلال مشاورات مكثفة مع دول مبادرة استانبول للتعاون، وهذا يدل على رسوخ المبادئ الأساسية لمبادرة استانبول للتعاون: فهي  إطار ميسر وفق  الطلب؛ تحترم مصالح فردية محددة وطموحات كل دولة عضو في مبادرة استانبول للتعاون، ولا تدعي مقاربة "مقاس واحد يناسب الجميع"، وتتبع منطق الملكية المشتركة لابراز أصالة تعاوننا ثنائي الاتجاه.

ويتركز معظم تفاعلنا اليوم على التعاون العسكري-العسكري.  البحرين ارسلت عددا متزايدا من المشاركين في دورات وحلقات دراسية لمنظمة حلف شمال الأطلسي. وكانت هناك عدة اجتماعات ناجحة لفريق الخبراء لمناقشة المسائل النووية ، والإعلام وغيرها من القضايا. وفي الأسبوع الماضي فقط ، هنا في المنامة عقدنا المحادثات السنوية لطواقم موظفي قوات الدفاع البحرينية ومنظمة حلف شمال الأطلسي. وغني عن القول نحن نتطلع إلى تعزيز تعميق تعاوننا مع البحرين.

وأحد المجالات التي تقدم فوائد خاصة هي التدريب.  منظمة حلف شمال الأطلسي حريصة على تبادل على نطاق أوسع خبرتنا الفريدة في تدريب القوات العسكرية مع الشركاء المعنيين في مبادرة استانبول للتعاون - لمساعدتهم على بناء قوات قابلة على التعاون العملياتي المتبادل مع تلك من حلفاء ناتو، وقادرة على العمل معا بشكل أكثر على نحو فعال. لقد خلقنا بالفعل فرصا جديدة للتعاون في هذه المنطقة، وبما انه بمقدور دول الخليج  أن تتعلم من حلف شمال الاطلسي، فيمكن للتحالف أيضا الاستفادة من تجربة دول الخليج الفريدة من نوعها، ولهذا السبب أنا مقتنع بأن هذه العملية توفر قيمة مضافة لكل منا.

لقد حققنا أيضا تقدما كبيرا في مجال الدبلوماسية العامة. وكما قلت سابقا، لا يزال هناك الكثير من الكليشيهات التي عفا عليها الزمن والقوالب النمطية التي يمكن أن تعرقل تعاوننا، ونحن بحاجة لتبديد هذه المفاهيم الخاطئة، ويسرني أن أقول إن البحرين لعبت دورا قويا في هذه الجهود. وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، هنا في المنامة  لقد نظم قسم الدبلوماسية العامة بمشاركة وزارة الاعلام البحرين للمعلومات مؤتمرا ناجحا جدا بشأن دور وسائل الإعلام. فقد حظي بتغطية واسعة من قبل الصحافة والفضائيات في جميع أنحاء المنطقة.

في نوفمبر/تشرين الثاني  الماضي، كان لي شرف اللقاء مع أعضاء مجلسي النواب والشورى في البحرين ، وأسابيع قليلة مضت، التقيت في مقر حلف شمال الاطلسي في بروكسل ، وفدا من ممثلي وسائل الإعلام البحرينية، كل هذا يدل على أن دينامية جديدة للحوار والتعاون تظهر للعيان، وأن مملكة البحرين تلعب دورها كاملا في هذا الصدد. 

ونظرا لاتساع نطاق تعاوننا، نحن نعتقد أن الوقت قد حان للتفكير في كيفية الارتقاء بهيكل واطار هذا التعاون على نحو أفضل، والتأكد من أنه باستطاعة الشركاء في مبادرة استانبول للتعاون واعضاء حلف شمال الاطلسي على حد سواء، الحصول على أقصى استفادة لما يستثمرونه من وقت وجهد  في هذا المشروع المشترك . تحقيقا لهذه الغاية، نحن نقدم لشركائنا في مبادرة استانبول للتعاون فرصة لوضع برنامج تعاون فردي مع الحلف. سيصمم مثل هذا البرنامج على الاهداف والمصالح الخاصة لكل دولة على حدة، مما يجعل هذه البرامج  وسيلة ممتازة لإعطاء مضمون أكثر لعلاقتنا الناشئة ، والتأكيد على أننا بدأنا بالفعل حقبة جديدة من التعاون.

كان التعاون مع البلدان الأخرى والمجتمع الدولي الأوسع في الواقع واحدة من الموضوعات الرئيسية لاجتماع قمة الحلف الأخيرة - وهو الاجتماع الذي عقد قبل ثلاثة أسابيع في العاصمة الرومانية بوخارست.

وكانت قمة تجمع كبير جدا، حشدت رؤساء دول وحكومات من 60 دولة، بالاضافة الى ممثلين كبار لعدد من المنظمات الدولية.

فضلا عن الموافقة على الارتقاء بمستوى تعميق تعاوننا مع بلدان هذه المنطقة، لقد تناول جزء مهما جدا من القمة التعاون المتواصل مع أفغانستان وسبل دعمه.  وللمرة الأولى، اجتمع قادة  40 دولة،  ممثلة في قوة حفظ الاستقرار بأفغانستان المكلفة أمميا بقيادة ناتو، مع كل من الرئيس حميد قرضاي، والأمين العام للأمم المتحدة، ومسؤولين كبار من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. لقد ناقشنا معا كيفية توفير دعم اكثر فعالية لأفغانستان، لمساعدة هذا البلد كي يصبح أكثر استقرارا وأمنا.

ولكن كان هناك الكثير على جدول أعمال القمة وعلى سبيل المثال ، قمنا بدعوة البانيا وكرواتيا الانضمام الى حلف شمال الاطلسي - وهي خطوة من شأتها قريبا رفع عضوية الحلف الى 28 دولة. أما فيما يتعلق بجمهورية مقدونيا في يوغوسلافيا السابقة، فلقد قررنا  توجيه الدعوة للعضوية في أقرب وقت ممكن بعد التوصل الى حل في القضية الاسم. وأتوقع أن تنتهي المفاوضات في هذا الشأن في أقرب وقت ممكن.

اتفقنا على تعزيز شراكتنا مع البلدان الأخرى في غرب البلقان، وأبقينا باب العضوية لحلف شمال الأطلسي مفتوحا للبلدان المعنية الأخرى، واتفقنا على أن يكون لجورجيا وأوكرانيا في نهاية المطاف مكانا في التحالف أيضا.

بحثنا مع روسيا  في مستقبل كوسوفو والحد من الترسانة التقليدية في أوروبا.  كما قررنا تمديد مهمتنا لتدريب قوات الامن العراقية حتى نهاية العام القادم، واستكشاف مقترحات لوضع إطار لتعاون منظم مع العراق. في الواقع، لقد ناقشنا هذه الأفكار مع رئيس الوزراء المالكي عندما زار حلف شمال الاطلسي الاسبوع الماضي فقط 

في بوخارست، اتفقنا أيضا على ضرورة دراسة خيارات منظومة الدفاع الصاروخي الموسع على نطاق الحلف؛ بحثنا امكانية خلق قيمة مضافة في مجال أمن الطاقة؛ ومواصلة سياستنا الجديدة في مجال الامن السيبراني (أمن شبكات الحاسوب) واتفقنا على مواصلة عملية التحول لضمان ان حلف شمال الاطلسي لا يزال أكثر فعالية وكفاءة في التصدي للتحديات المتزايدة التعقيد التي نواجهها.

صاحب السمو، السيدات والسادة،

عندما نضع في الحسبان جميع هذه القرارات من بوخارست ، يمكنك ادراك أن طريقة التفكير الراهنة لشمال الاطلسي في الشأن الأمني هي بعيدة كل البعد عن تلك  التي كنا نفكر فيها خلال الحرب الباردة ، وأيضا بعيدة عن طريقة عمل ناتو المعهودة في الماضي.

تعلمون جميعا أنه تم إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي في مستهل الحرب الباردة ، ولغرض محدود جدا: الردع والدفاع ضد تهديد فردي واضح المعالم . ولقد استمر هذا الوضع لمدة 40 عاما--وهي فترة طويلة في الواقع ولعل هذا يفسر لماذا لا يزال الكثيرون يفكرون في حلف شمال الاطلسي كمؤسسة للحرب الباردة.  وعندما يتحدث الناس أو يكتبون عن منظمة حلف شمال الأطلسي ، فهذا يدفعني أحيانا للاندهاش بشأن صعوبة مقاومة القوالب النمطية التي عفا عليها الزمن يمكن أن يكون.

والحقيقة هي بالطبع  مختلفة تماما - ومرة أخرى أود أن أشير إلى قمة بوخارست كدليل واضج للغاية، فحلف شمال الأطلسي لم يعد منذ زمن طويل  منظمة جامدة.  فمنذ نهاية الحرب الباردة، أصبح أكثر مرونة وابداعا وغدى أداة لتشكيل التغيير. ففي حين أن المادة 5 (الدفاع المشترك) لا تزال  الأساس للتحالف، فان شمال الاطلسي اليوم يدرك أن الدفاع يتطلب على نحو متزايد العمل مع الدول والمؤسسات الأخرى.

في الواقع يمكنني المجادلة بأن التعاون أضحى النموذج الأمني الجديد في عصرنا هذا، وفي عصر العولمة ، أصبح أمننا متشابكا بوتيرة متزايدة. فبغض النظر عن موقع بلداننا في العالم ، ومهما اختلفت ثقافاتنا أو تجاربنا التاريخية، سنجد أننا ننشاطر اكثر فاكثر المصالح الأمنية المشتركة.

الآن هو الوقت المناسب لتحويل هذه المصالح المشتركة إلى سياسات عملية حيث تتواجد فرص التعاون المثمر والمنفعة المتبادلة.  ومن واجبنا المشترك توظيف هذه الفرص إلى أقصى حد ممكن.

أتمنى لكم جميعا مؤتمرا مثمرا للغاية. شكرا لكم.