كلمة الامين العام اندرس فوغ راسموسن أمام مؤتمر حلف شمال الاطلسي-الاردن للدبلوماسية العامة ''ناتو، المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط الموسع''، عمّان، الأردن

  • 07 Mar. 2010
  • |
  • آخر تحديث 12-Oct-2010 16:23

السيدات والسادة،

انه لمن دواعي سروري العظيم أن أكون معكم  في عمان. وأود أن أشكر رئيس المعهد الاردني للدبلوماسية الدكتور عمر الرفاعي لتنظيم خطابي هنا اليوم.

هذه في الواقع، المرة الأولى التي اخاطب فيها بلدا عضوا في شراكة الأطلسي المتوسطية  كأمين عام للحلف، وأرى أنه من المناسب تماما أن ألقي كلمتي اليوم هنا في المملكة الأردنية الهاشمية. فلقد وضعت بلادكم وعلى مر السنين مثالا قويا للغاية (مفاده): إذا أراد شخص ما السلام فينبغي عليه العمل من أجله  وطوال الوقت.

لقد حازت جهود الأردن الحثيثة للترويج للسلام والاستقرار، ليس  حصرا في هذه المنطقة  ولكن أيضا خارجها، على احترام واعجاب دولي هائل. وأود أيضا الاشادة  بقوة هنا بجهود جلالة الملك عبدالله الثاني والحكومة الاردنية والقوات المسلحة الاردنية في مواصلة هذا الالتزام بصلابة.

ان الحاجة للسعي تجاه السلام ونيله تحتل أيضا قلب اهتمامات شمال الاطلسي. ففي التحالف هناك 28 دولة من امريكا الشمالية واوروبا تعمل سويا مدركة  أن السلام لا يأتي ببساطة  من تلقاء نفسه. فنحن تماما مثل الأردن،  نؤمن أيضا بأن السلام هو أكثر من مجرد مرادف لغياب الحرب- فالسلام معني أيضا بكرامة وحقوق الإنسان والتسامح. و على غرار الأردن تماما،  نؤمن بأن علينا السعي باستمرار للدفاع عن هذه القيم في مواجهة قوى الكراهية والتعصب.

ويسعدني بصفة خاصة أن ألقي خطابي اليوم هنا في عمان. هذه المدينة التي شهدت دعوة الملك عبد الله ، عبر "رسالة عمّان"  في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 ،  إلى التسامح والحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان. ودعا حينها الملك لمنصة واسعة تجمع الشعوب من مختلف الأديان  تتحرك سوية في اطار احترام أفكار ومعتقدات الآخرين لخدمة المجتمع البشري.

لقدت حملت "رسالة عمّان" الاعلان عن أن: "الإسلام كرّم الإنسان دون النظر إلى لونه أو جنسه أو دينه". إنه بيان قوي بأن الإسلام، إحدى من الديانات الكبرى في العالم، لن يعرض قيمه الأساسية لخطر الاصولية المتشددة. وفي عالم  يحاول البعض وضع الديانات المختلفة في فخ المواجهة ضد بعضها البعض،  تتخذ "رسالة عمّان" موقفا جليا: مع التسامح   وضد الراديكالية.

رسالة عمان هي رسالة رائعة وقوية، وأساس متين للتعاون والشراكة عبر الحدود السياسية والثقافية والدينية لصالح السلم والإنسانية.

أنا هنا اليوم للتأكيد مجددا التزامي تعزيز الشراكة بين حلف ناتو والأردن وبلدان أخرى في الحوار المتوسطي.

تأسس الحوار المتوسطي منذ 15 عاما. وخلال تلك الفترة من الزمن كان بمثابة إطار للتعاون العملي والحوار السياسي بين دول حلف شمال الاطلسي 28 و 7 بلدان في شمال افريقيا والشرق الأوسط.

شمال الاطلسي هو تحالف دفاعي ليس لمواجهة  أحد. وأولا وقبل كل شيء، فالحلف هو تحالف من 28 دولة تتشاطر قيم الحرية السياسية والحرية الاقتصادية  وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

ناتو هو  أنجح تحالف يشهده العالم على الاطلاق. فخلال أكثر من 60 عاما، يحافظ شمال الأطلسي على السلام والاستقرار في أوروبا وأمريكا الشمالية.

في تسعينيات القرن الماضي، تحرك حلف شمال الاطلسي أوروبيا  في البلقان - أولا في البوسنة ولاحقا في كوسوفو. كان  عندئذ  مسلمو البلقان يواجهون خطر السلطة الدكتاتورية الأكثر وحشية منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية.

لقد تحرك حلف شمال الاطلسي وقتها بغية اتخاذ إجراءات لحماية المسلمين ضد الاضطهاد والمذابح. وانضم إلينا العديد من الشركاء، بمن فيهم الأردن، وبفضل تصميم الجهد الدولي- وتواجد عسكري  مستمر – تنعم الآن مختلف الطوائف الدينية العيش معا في سلام.

في الوقت الذي تواجه دولنا العديد من التحديات الأمنية المشتركة، نحن بحاجة إلى مستوى جديد من المشاركة الدولية في التعامل بشأنها -  مشاركة  تمتد عبر الحدود، عبر الثقافات وعبر الأديان. واعتقد انه بوسع حلف شمال الاطلسي وشركائنا المتوسطيين وضع مثال حقيقي في تعزيز هذا الهدف وترجمته إلى عمل مشترك ملموس.

لقد شكلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الإرهابية  بزوغ فجر عصر جديد لجميع الدول-. فنحن نواجه تهديدات أكثر تعقيدا من أي شيء واجهناها في الماضي. لقد تحور الإرهاب الى اجازة عالمية. فيمكن إلهام المتطرفين تمويلهم وتنشيطهم من أي بقعة في العالم،  فهناك تهديد حقيقي من أن يتمكن الأفراد  الاشد خطورة في العالم من وضع  أيديهم على السلاح  الاكثر فتكا.

وقد تجاوب  حلف شمال الأطلسي مع البيئة الأمنية الجديدة من خلال اتخاذ إجراءات وفق منطلقات جديدة ، وفي أماكن جديدة - كأفغانستان، و البحر المتوسط، والمياه قبالة القرن الافريقي. نحن نعمل على أساس تكليف أممي، وعلى تعزيز التعاون الوثيق بين المنظمات الدولية، كي نتمكن من الجمع بين الأدوات العسكرية والمدنية وفق الطريقة الأكثر فعالية. ونصل إلى الأمم الأخرى بدءا من أوروبا ووصولا إلى جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، للعمل سويا معنا.

لقد سخر حلف شمال الأطلسي جهودا خاصة للوصول إلى الأردن وغيرها من الدول الست الشريكة  في الحوار المتوسطي - ولجعل شراكتنا أكثر قوة وتركيزا على التهديدات الجديدة. ولقد كنا سعداء جدا لرؤية رد الفعل الإيجابي من جانب جميع شركائنا في المتوسط، وخصوصا من الأردن.

أولا، كانت هناك زيادة مطردة في حوارنا السياسي. لقد شهدنا مزيدا من المشاورات المنتظمة، شملت طيفا واسعا من القضايا  وعلى مستويات متباينة في الخبرات – وهذا قرّبنا كثيرا بالفعل الى بعضنا البعض. أرى إمكانية كبيرة لتعزيز الحوار.

ثانيا، وكان هناك أيضا تقدما كبيرا في تعاوننا العملي، وخصوصا التعاون العسكري-العسكري. لقد حازت معرفة وخبرتها الهائلة على انطباع جيد من جانبنا، وخاصة فيما يتعلق   بالعديد من الجوانب ذات الصلة بمكافحة الإرهاب. كما رحبنا باستعداد الاردن على تبادل المعرفة والخبرة الواسعة مع حلفاء ناتو وغيرهم من الشركاء  في الحوار المتوسطي باعتبار ان ذلك  كل ما يحمله التعاون الامني من معنى.

ثالثا، لقد تمكنا من ابراز فائدة  تعاوننا على الشعب الاردني. لقد أطلقنا صندوقين ائتمانيين، تعمل من خلالهما مجموعة من الدول الاعضاء في الحلف  مع العديد من الشركاء الاوروبيين في التحالف لمساعدة الأردن بناء منشاة للتعامل الآمن مع الأسلحة والذخائر القديمة وتفكيك القذائف غير المتفجرة. في كلا المشروعين يعمل الخبراء المدنيون والعسكريون  بشكل وثيق. كما أن كلاهما يبرزان جليا فوائد فورية لضمان سلامة ورفاه الشعب الاردني. وأعتقد أن هذا النوع من التعاون العملي يحمل آمالا مستقبلية واعدة.

بانجازه برنامج تعاون فردي مع حلف شمال الاطلسي في العام الماضي، أظهر الأردن طموحا واضحا للارتقاء بمستوى  التعاون المشترك الى درجة أعلى. ونظرا لسجل الاردن القوي، فأنا على ثقة أن بمقدوره  تحقيق هذا الطموح. وعندما ينجز ذلك، فسوف يكون الأردن مثالا يحتذى به، من شأنه  تشجيع غيره من الشركاء ناتو المتوسطيين التركيز على تعاونهم الخاص مع الحلف.

***

الإرهاب هو واحد من أسوأ آفات عصرنا. فالإرهاب يضرب عشوائيا، وينشر الرعب ويقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال. الإرهاب هو إنكار للبشرية.

وكان الأردن نفسه ضحية للإرهاب ولمرات عديدة. فلا تزال في الذاكرة  تفجيرات الفنادق في عمان 2005، "الحادي عشر من أيلول الأردنية" ستبقى ذكرى صارخة بأن الإرهاب والتطرف يشكلان تهديدا مستمرا لنا جميعا.

مكافحة الإرهاب تتطلب تعاونا وثيقا بين جميع الدول التي ترغب في حماية شعوبها ضد هذه الأعمال الإجرامية والخسيسة. فينبغي تضافر جهود جميع أولئك الذين يريدون الحفاظ على السلام وتعزيز التقدم  في نضالنا من أجل التعايش السلمي وضد الفظائع المقيتة.

هذا هو السبب الذي حدى بـ 44 دولة للانخراط في عملية عسكرية مشتركة في أفغانستان اليوم. ولا يمكننا أن نسمح لأفغانستان أن تصبح، مرة أخرى  ملاذا آمنا للارهابيين الاكثر خطرا في العالم.

سوف تكون دولنا  أكثر أمنا إذا جلبنا سلاما دائما واستقرارا الى أفغانستان. ولهذه الغاية طلبت الحكومة الافغانية من المجتمع الدولي مساعدة عسكرية. ولنفس الغرض أقرت الأمم المتحدة تكليفا  لعملية عسكرية دولية في افغانستان. ولذات الهدف أخذ  حلف شمال الاطلسي زمام المبادرة في القوة الدولية للمساعدة على ارساء الامن "ايساف" في عام 2003. وهذا  هو السبب في جعل أفغانستان أولوية رئيسية للحلف في الوقت الراهن، حيث انضمت دوله  الـ28 الأعضاء قي قوة "ايساف" مع 16 اخرى خارج الحلف من جميع أنحاء العالم، بما فيها الأردن.

لقد وضعنا على عاتقنا معا مهمة شاقة، دفع  ثمنها الباهظ العديد من جنودنا. ولكننا، جنبا إلى جنب،  نحرز تقدما، ونحول الأمور لصالحنا. مع تزايد مطرد في حجم  وجودنا العسكري؛ وبتركيزنا على أمن الشعب الأفغاني، مع نجاح عملياتنا المشتركة مع الجيش الوطني الأفغاني، فنحن نخلق بجلاء  قوة دفع جديدة.

سوف نسعى لتطوير قدرات قوات الأمن الأفغانية. وسوف نعمل على تدريب وتأهيل قوات الجيش والشرطة الافغانية. وسنقوم تدريجيا بنقل المسؤولية القيادية عن الأمن إلى الأفغان أنفسهم عندما تسمح الظروف بذلك - منطقة ومحافظة تلو الاخرى-

وتحقيقا هذا الهدف فنحن بحاجة إلى مهمة تدريبية قوية. ولقد أسسنا بالفعل هذه المهمة التدريبية، ونحن ندعو جميع الحلفاء والشركاء لتوفير الموارد اللازمة لهذه العملية الهامة.

الأردن لديه سمعة قوية لا سيما في مجال التدريب العسكري والتأهيل. ونحن ندرك جيدا أنه خلال السنوات القليلة الماضية وحدها ، لقد دربت بلادكم أكثر من  عشرة آلاف من أفراد الجيش العراقي وستين ألفا من عناصر الشرطة. ونحن ممتنون جدا للاردن لما وفر من مساعدات مماثلة في تدريب قوات الأمن الوطنية الأفغانية ، وآمل أن نتمكن من إضفاء الطابع الرسمي قريبا لتعاوننا في هذا المجال.

لقد زرت  أفغانستان عدة مرات، وزرت القوات هناك. وإنني على ثقة  بأنه بفضل المساعدة فبمقدور أفغانستان  الوقوف عاجلا على قدميها مرة أخرى. ولن تستفيد من ذلك أفغانستان حصرا، بل أيضا أمننا.

واسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة لتشجيع الدول الاسلامية على الانخراط  في أفغانستان،  ليس فقط  لأن الدول الإسلامية تعاني من ويلات الإرهاب، ولكن أيضا لأن الدول الإسلامية لديها الوعي الثقافي والديني والخبرات القيمة لتسخيرها هناك. فمشاركة جنود بخلفية اسلامية هو في حد ذاته دليلا قويا على حقيقة أن القتال في أفغانستان ليس بشأن الدين وانما ضد الإرهاب.

السيدات والسادة،

قبل 15 عاما، انضم الأردن الى الحوار المتوسطي مع حلف الناتو. خلال تلك الفترة من الزمن، تنامت  قوة الروابط بين الأردن ومنظمة حلف شمال الأطلسى  مقارنة بأي وقت مضى.

ونحن نشاطر الرغبة في السلم والتسامح واحترام الحياة البشرية. هذا المطلب المشترك وجد تعبيرا قويا  في "رسالة عمان" الملكية: "الإسلام أعطى الحياة منزلتها السامية. (....) فالاعتداء على حياة انسان  اعتداء على حق الحياة في كل انسان وهو من أكبر الآثام، لأن حياة الانسان هي أساس العمران البشري".

لدي اعتقاد قوي بأن الايمان يوحدنا ولا يشرذمنا. فهناك البلايين من البشر يستوحون آمالا ومؤاساة من دينهم. ينبغي أن يكون الدين قوة  ضاربة من أجل السلم والرحمة والعفو والتسامح. ينبغي علينا عدم السماح بأن يدفعنا القلائل- مهما كانت انتماءاتهم – ممن يسيؤون استغلال الدين لنشر الكراهية والتعصب والعنف،  الى نسيان هذه الحقيقة.

فلنوحد الجهود لمحاربة الارهاب والتطرف، ولنروج  للحرية والسلم وفق شراكة حقيقية  واحترام متبادل.

شكرا لكم،